حب الوطن

الوطن هو الأمن والأمان، وهو الاستقرار والأساس الذي يحيا لأجله الإنسان لأنه الكيان الذي يحتويه، ولذلك يُعتبر حبّ الوطن من الإيمان بوجوده، فحبه شيءٌ نابعٌ من القلب والوجدان، وهو شيءٌ لا يمكن تزييفه أو ادّعاءه لأنه يأتي بالفطرة السليمة، فكل إنسان وحيوانٍ وطائرٍ يحنّ لوطنه مهما حلّ أو ارتحل، لذلك يُعتبر الوطن من المقدسات في ضمير جميع الأحياء، ومن يتنازل عن حقه في حب الوطن يكون كمن يتنازل عن نظر عينيه، لأن الوطن هو من يصنع لأبنائه وجودهم وهو الذي يجعل للإنسان قيمة.

حب الوطن ليس مجرد كلماتٍ تُقال أو شعاراتٍ تُرفع، ولا هو حطابات رنانة تُشعل الروح الحماسية ويهتف بها الشعب، بل هو فعلٌ قبل القول وترجمةٌ على أرض الواقع، فحب الوطن يكون بالدفاع عنه لأخر رمق، والوقوف إلى جانب قضاياه في الحرب والسلم، ودحر كل غاصبٍ يُحاول أن يعتدي عليه، كما أن حب الوطن يكون بأن نُحافظ على جميع مقدراته من السلب والنهب، وأن نحمي تاريخه الماضي وأن نحرس حاضره وأن نرعى مستقبله ومستقبل أبنائه، فالوطن لا يُريد من أبناء شعبه أن يكتبوا اسمه ويُعلقوه تميمةً في صدورهم، بل يُريد منهم أن يبقى الأولوية في حياتهم في كل شيء، وأن يكون العطاء له غير محدودٍ أبداً.

الوطن لا يُمكن أن يخون أبناءه حتى وإن خانوه، فمهما ابتعدوا عنه، سيفتح لهم ذراعيه عند عودتهم، ومهما قست الظروف يبقى الوطن حنوناً وادعاً، حتى أن القلب لا يشعر بالراحة والسكينة إلا فيه، فهو شيءٌ متعلقٌ بالروح قبل الجسد، وحبه يسري في العروق مع الدماء.

يكون حب الوطن بأن يجدّ أبناءه ويجتهدوا ويصنعوا لنفسهم مكانةً بين باقي الشعوب، لأن الوطن مثل الأم الحنون التي تفتخر بإنجاز أبنائها، وكلما أعطى الأبناء أكثر، زادهم الوطن أكثر فأكثر، فهو في الولادة يمنحك اسمه وانتماءه وعاطفته، وفي الحياة يمنحك الأهل والبيت والسكن والتعليم، وفي الموت يحتوي أبناءه بترابه ويضمهم إليه إلى أن يشاء الله، لذلك يلتصق الوطن بكل ما يخص أبناءه من المهد إلى اللحد.

لطالما تغنى الشعراء والأدباء بالوطن، ولطالما قيلت فيه أعذب القصائد والحكم والتوصيات، لكن مهما قيل فيه، تبقى الأبجدية مقصرة في وصفه، فلا أحد أبداً يستطيع أن يصف جنته ويوفيها حقها، لذلك فليكن الوطن دوماً في القلب والوجدان، ولنُحافظ عليه كما نُحافظ على أرواحنا، لأن من يعش بلا وطن، عاش ذليلاً مكسوراً لا يعرف أن يذهب ولا إلى أي شيءٍ ينتمي، فالوطن نعمة مهما شكرنا الله عليها فلن نستطيع أن نوفي حق الشكر.

شاركها.