تواجه العديد من الدول مشكلة كبيرةً تُؤثر بشكلٍ كبير على تطورها وتنميتها، ألا وهي هجرة العقول المفكرة والأيدي العاملة، إذ أن هذه المشكلة تخلق العديد من الظروف التي تضع الدول في مأزقٍ كبير نتيجة هجرة الخبرات والكفاءات منها إلى دولٍ أخرى بحثاً عن فرصٍ أفضل من الناحية الاقتصادية والمعيشية، وأحياناً من ناحية الانتشار والتطور، إذ أن الكثير من العلماء وأصحاب العقول المفكرة يتركون بلدهم الذي تلقوا فيه تعليمهم ليعطوا ثمرة هذا التعليم لبلادٍ أخرى تستثمر عقولهم لصالحها ولصالح شعوبها.

من المشكلات الأخرى المرتبطة بهجرة العقول المفكرة هي هجرة الأيدي العاملة، وربما تُعدّ هذه المشكلة هي الأخطر والأكثر تعقيداً، لأنها تخلق فجوة كبيرة ما بين التعليم وسوق العمل، فالأيدي العاملة هي التي تُنجز وتعمر البنيان وتّدير عجلة الصناعة والزراعة والاقتصاد وحتى التعليم والصحة، وهجرتها تعني إحداث فراغ كبير في هذه القطاعات جميعها، خصوصاً أنه في العادة يتم استقطاب الأيدي العاملة صاحبة الخبرة الطويلة والكفاءة العالية، وهذا يحرم أبناء البلد من وجود قدوة تُمسك بأيديهم وتعلمهم وترشدهم إلى طريق الإنجاز والتطور.

رغم أن المسؤولية التي تقع على عاتق أبناء الدولة من الأيدي العاملة وأصحاب العقول المفكرة كبيرة، إلا أن المسؤولية الأكبر معلقة في رقبة الدول والحكومات، لأن من حق كل شخص أن يبحث عن الفرصة الأفضل بالنسبة له، والتي تُحقق له الرفاهية التي ينشدها، خصوصاً إن كانت الدولة لا تُقدم الفرص العادلة والمستحقة لأبنائها، أو أنها تكافئهم بالبطالة بعد التعب وسنوات الدراسة الطويلة، فمن أهم الأسباب التي تدعو إلى الهجرة بمختلف أسبابها هو السبب الاقتصادي، فعدم توفير ما يكفي من الرواتب والنقود لأبناء الوطن يدفعهم للهجرة والسفر ويُزين الغربة في عقولهم ونفوسهم، خصوصاً أن الكثير من الدول وخصوصاً الدول الأوروبية ترحب بالعقول المفكرة ترحيباً عظيماً وتقدم لها التقدير والاحترام وتجعلها استثمار مربح جداً، وتوفر لأصحابها سُبل الرفاهية، كما أنها في الوقت نفسه تحترم الأيدي العاملة وتؤمن بحقوق العمال وتحترم إنسانيتهم وكرامتهم وتوفر لهم جميع سبل الراحة.

يجب أن تتضافر جميع الجهود ما بين الحكومات والمواطنين للحفاظ على الخبرات والعقول والأيادي العاملة وجذبها إلى وطنها ومنع هجرتها، لأنها مع الزمن ستصبح جزءًا مهماً من تلك الدول التي ستهاجر إليها وستنسلخ عن وطنها بشكلٍ تام، لذلك فإن أفضل استثمارٍ يجب أن تفكر به الدول هو الاستثمار بالإنسان مع العلم أن الدولة التي تستثمر عقول مفكريها وأبناء وطنها من الأيدي العاملة تجد الخير الكثير لأنهم الأحرص على مصلحة أوطانهم.

شاركها.