يحلمن بتغيير مستقبل الطاقة في بلادهن.. تعرَّف إلى النساء اللاتي يشكّلن مصير العلوم والهندسة في السعودية

عربي بوست، ترجمة

من خلال برنامج «زمالة ابن خلدون للمرأة السعودية»، يتوافد سنوياً على الحرم الجامعي لـ «معهد ماساتشوستس للدراسات التكنولوجية» عددٌ قليل من كبار العالمات والمهندسات القادمات من المملكة العربية السعودية بكل ما أوتين من طموح وأحلام.

 يستهدف البرنامج المستمر منذ عام 2012 دعم الباحثات السعوديات الحاصلات على درجة الدكتوراة، وإعطائهن فرصة لإجراء أبحاثهن في التخصصات العلمية والهندسية المختلفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تحت إشراف أعضاء هيئة التدريس لمدة عام دراسي واحد. ويتيح البرنامج للباحثات كذلك الحصول على فرص للتطوير المهني.

24 باحثة سعودية في مختبر علوم الكمبيوتر والذكاء الصناعي

بينما أُطلق برنامج زمالة ابن خلدون في قسم الهندسة الميكانيكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أُدرجت أسماء الباحثات السعوديات اللاتي بلغ عددهن 24 باحثة في 14 قسماً ومختبراً ومركزاً مختلفاً في جميع أنحاء المعهد، بما في ذلك مختبر علوم الكمبيوتر والذكاء الصناعي، وأيضاً كلية سلون لإدارة الأعمال، وآخر متخصص في الأبحاث المتعلقة بتصميم الآلات والماكينات.

ومؤخراً عقدت 24 باحثة أول فعالية لم شمل ضمن البرنامج في الحرم الجامعي. تقول المديرة السابقة لبرنامج زمالة ابن خلدون كيت أندرسون، عن فعالية لم الشمل: «شعرتُ وكأنَّ هذا الأسبوع لم شمل عائلي».

في البرنامج تخضع كل باحثة لإشراف لجنة مكونة من عددٍ من الأعضاء، وهم كيت أندرسون والسيد كمال يوسف التومي، مسئول البرنامج وأستاذ الهندسة الميكانيكية، والسيدة تريزا ويرث التي عُيِّنَت مؤخراً مديرةً للبرنامج.

وتعاون اللجنة الباحثة في التعرف على المشاريع البحثية الملائمة، ومساعدتها في شق طريقها في الأجواء الجديدة المحيطة بها في المعهد.

ودراسات معمقة في المواد الكربونية النانوية والخلايا الشمسية

خلال هذا الاجتماع، قدمت 5 باحثات يدرسن حالياً في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا واقتربن من إنهاء مهامهن البحثية والدراسية في المعهد لمحةً عامة عن مشاريعهن البحثية.

تنوعت الأبحاث ما بين دراساتٍ متعلقة بالمواد الكربونية النانوية، وأخرى عن الخلايا الشمسية وثالثة عن فحص العقاقير، ثم أشارت خريجات البرنامج إلى بعض المستجدات بمشاريعهن البحثية، وكيف ساهمت الدراسة بالبرنامج في تطوير وتعزيز مستقبلهن المهني منذ عودتهن إلى المملكة العربية السعودية.

نجاح الباحثات نتيجة جرأتهن شكّل إلهاماً للكثيرات

الدكتورة أريج الوابل، الحاصلة على زمالة برنامج ابن خلدون عام 2015، تعمل حالياً باحثةً رئيسية في مركز تميز النظم الهندسية المركبة في جامعة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وهي أيضاً باحثة في كلية الهندسة بمعمل أبحاث الابتكار الهندسي بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

تقول لموقع المعهد: «نجاح العديد من الباحثات الحاصلات على الزمالة في حياتهن المهنية نتيجة اتخاذهن خطواتٍ جريئة تتطلب الكثير من الشجاعة يشكل إلهاماً شخصياً لي».

بالإضافة إلى أنَّ هؤلاء الباحثات الحاصلات على الزمالة يُدرنَ فرقاً علمية في المجالات البحثية الخاصة بهن، عُيِّنَ العديد منهن في مناصب عدة، كعمداء كليات تقنية، أو نواب عمداء، أو مدراء في مراكز أبحاث، أو باحثين رئيسيين في مراكز مختلفة مثل الدكتورة أريج الوابل.

وخلال فعالية لم الشمل وجه الدكتور كمال  يوسف التومي كلمةً للباحثات السعوديات قائلاً: «أنتن تمثلن التغيير وستغدون قادة المستقبل، فكل واحدة منكن لديها إسهامات متميزة في مجالها، أنتن تؤثرن في الأشخاص العاملين معكن، وتلهمنهن وتحفزنهن بمجرد التعاطي معكن».

روح العمل الجماعي داخل وخارج المعمل

منذ إطلاق البرنامج انتهت 27 باحثة من تأليف 34 مقالاً بحثياً منشوراً في الدوريات العلمية، و27 ورقةً علمية في المؤتمرات، بخلاف تقديمهن 4 براءات اختراع تتعلق جميعها مباشرةً بالأبحاث التي أُجريت في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

بالنسبة لتمارا الشهراني، وهي إحدى المبتعثات حالياً في برنامج زمالة ابن خلدون، فإنَّ المشروع الذي تعمل عليه في الوقت الحاضر يتيح لها فرصة البحث في مسألة يتوقع أن يكون لها تأثيرٌ كبير في وطنها الأم.

إذ عملت مع الدكتور تونيو بوناسيسي، وهو أستاذ مساعد في قسم الهندسة الميكانيكية ومدير مختبر أبحاث الطاقة الشمسية والخلايا الكهروضوئية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، على تطوير الخلايا الشمسية التي يمكنها العمل في بيئاتٍ ذات مناخاتٍ جافة وقاحلة؛ مثل المملكة العربية السعودية.

وتصف تمارا الشهراني تجربتها البحثية قائلةً: «العمل على شيء له تأثير مباشر على بلدي هو أمر مذهل».

عرَّضت تمارا وفريقها البحثي الخلايا الشمسية لدرجات حرارة متفاوتة لبحث كيفية تحسين استقرارها تحت درجات الحرارة المختلفة. وكانت تمارا هي المؤلف الرئيسي للورقة البحثية الناتجة عن هذا المشروع، التي طُرحت في الاجتماع الذي تعقده جمعية Materials Research Society في شهر أبريل/نيسان من كل عام.

وأبحاث الطاقة الشمسية ستخدم الاقتصاد السعودي على المدى البعيد

الاشتراك في إدارة وقيادة فريق علمي مؤلف من باحثين يعملون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وشركة أرامكو السعودية لم يساهم في تعميق خبرة الدكتورة تمارا الشهراني في مجال البحث العلمي فحسب، بل أفهمها مدى أهمية وضرورة العمل الجماعي والتعاون الدولي في مجال البحوث.

ووصفت تمارا الدكتور تونيو وفريقه بالداعمين والمشجعين قائلةً: «عند وجود مشكلة تتعلق بالبحث، فإنَّنا نناقشها جميعاً ونتباحثها كي نتوصل إلى حل، هذه التجربة الأكاديمية والحياتية أفادتني في إدراك أهمية العمل الجماعي واختبار شعور أن تكون جزءاً من فريق».

وأضافت تمارا أنّ روح الجماعة هذه والإحساس بالانتماء المجتمعي ليس مقتصراً فحسب على أعضاء الفريق الواحد داخل المعمل، بل يتعداه ويتجاوزه كثيراً: «هناك رابط قوي بين الباحثات بزمالة ابن خلدون. اعتدنا أن نحتفل سوياً بعيدي الفطر والأضحى مع كيت وتيريزا».

هذه العلاقات التي أقامتها الباحثات فيما بينهن تستمر حتى بعدما انتهت المنحة. وتقول أريج الوابل: «جانبٌ مهم مما استفدته من المنحة هو بناء شبكة علاقات تضم المهنيين العاملين في مجالاتٍ مشابهة». هذه الشبكة كان لها دور فعال في توفير فرص عمل لهؤلاء الباحثات عقب عودتهن إلى المملكة.

الابتكار الهندسي في معهد ماساتشوستس، هو مجرد بداية

بالنسبة لأريج الوابل، فإنَّ عملها في دراسة تصميم وتطوير التقنيات في مجال المشروعات الهندسية مع الدكتورة ماريا يانغ، الأستاذة المساعدة في قسم الهندسة الميكانيكية ومديرة معمل أبحاث الابتكار الهندسي في معهد ماساتشوستس، هو مجرد بداية. وتضيف أريج أنَّ «التجربة كانت غنية ومفيدة للغاية، تعلمتُ الكثير عن البحث العلمي، وأفضل الممارسات التي يمكن تطبيقها في مجال التعليم وكيفية تنمية المهارات المهنية».

فريق العمل في المعهد

عملت أريج الوابل مرشداً في أحد برامج 2.00b لتصميم نماذج الألعاب، حيثُ تضيف هي وزميلاتها من الباحثات داخل المختبر الخبرات التي اكتسبنها خلال عملهن في مجالاتٍ محددة إلى عملية التصميم، وذلك للمساعدة في إرشاد الطلاب في مرحلة التصور والتخيل وتكوين الأفكار وحتى انتقالهم إلى مرحلة تنفيذ نموذج أولي ومبدئي للعمل. وتضيف أريج: «في عملي بالتدريس نادراً ما نتطرق إلى كل هذه المراحل، لذا فهذه التجربة مفيدة بالنسبة لي كعضو هيئة تدريس».

الباحثات يجلبن ثقافة القراصنة إلى المملكة

أثناء وجودها في الحرم الجامعي لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا اندمجت أريج الوابل في ثقافة القراصنة، وهي ثقافة تسود أجواء المعهد وتشمل الأفراد المحبين للتميز والبرمجة ويستمتعون بالتحديات الفكرية المتعلقة بالمشكلات التقنية والتكنولوجية، ويعملون على إيجاد حلولٍ مبتكرة لها.

وبعد أن شاركت في المؤتمر السنوي هاكاثون لتطبيقات التكنولوجيا المساعدة، شرعت في تطبيق التجربة ذاتها في المركز الذي تعمل به في المملكة العربية السعودية.

وتشير أريج إلى أنَّها «كانت قادرة على أن تطبق التجربة ذاتها في المملكة لكن على نطاقٍ أضيق». وفي أكتوبر/تشرين الأول سيستضيف المركز مؤتمراً طبياً لبحث التحديات الفكرية في المجال الطبي كنموذج يحاكي ما يتم في معهد ماساتشوستس.

تمكين جيل جديد من السعوديات

تستهدف رؤية المملكة العربية السعودية للتنمية المستدامة 2030 زيادة نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22% ورفعها لتبلغ 30% بحلول عام 2030، لذا فبرنامج مثل زمالة ابن خلدون يخدم هدفاً أسمى.

وتقول كيت أندرسون: «هؤلاء النساء لا يساهمن فحسب في تطوير مجال العلوم والتكنولوجيا في المملكة، بل يغيرن البلد بأكمله».

تؤكد تمارا الشهراني القيمة والفائدة الكامنة في برنامج زمالة ابن خلدون في هذه المرحلة من تاريخ المملكة، مشيرةً إلى أنَّ «الزمالة ساعدت جيل جديد من السعوديات في بناء مهاراتهن القيادية، وهذا الأمر مهم جداً الآن بالنسبة للمملكة، التي تشهد تغيراتٍ واسعة النطاق وتحاول دعم المرأة في العمل».

وفي مارس/آذار أعلن البرنامج عن شراكة جديدة بينه وبين مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لمد فترة برنامج زمالة ابن خلدون لعقدٍ جديد. وسيشهد يناير/كانون الثاني عام 2019 انضمام خمس باحثات جديدات لمجتمعٍ نسائي يُشكل مستقبل العلوم والهندسة في المملكة.


اقرأ أيضاً:

اقتراح تصحيح

زر الذهاب إلى الأعلى