“سامح تؤجر” توطد المحبة والتآخي في غزة

أطلق سكان قطاع غزة مؤخراً، في بادرة جديدة وملفته، حملة إنسانية واجتماعية عنوانها “سامح تؤجر”، ترافقت مع إطلاق هاشتاق عبر منصات التواصل الاجتماعي، باسم الحملة، التي تهدف إلى “تقوية النسيج الاجتماعي، وتوطد المحبة والتآخي بين سكان القطاع”. وفي الوقت الذي يشتد فيه الحصار على غزة بدخوله العام الـ11 على التوالي، ما أوصل الناس لحالة اقتصادية هي الأسوأ منذ بداية الحصار، أعلن صاحب أحد المحلات التجارية في القطاع، عن مسامحته للناس الذين يدينون له بالمال، فتبعه بذلك عشرات التجار والمحلات التجارية والناشطين وأصحاب الأعمال، مطلقين بذلك حملة تفاعل معها جميع طبقات المجتمع.

وبدأت الحملة يوم الأربعاء الماضي، وشهدت زخماً كبيراً امتد إلى اليوم الجمعة، وعلّق أحد المواطنين على الحملة عبر فيس بوك: “يا لجمالك يا غزة، غزة تنتفض مع حملة سامح تؤجر، الحملة الأولى من نوعها، سامح خلالها عشرات المحلات والشركات في غزة المئات من العائلات المديونة لها بسبب الظروف الصعبة التي يمر فيها القطاع”.

كما أطلق نشطاء من غزة بالتزامن مع الحملة، وسم “#سامح_تؤجر“، لحث التجار وأصحاب المحلات على مسامحة المواطنين غير القادرين على دفع الديون المستحقة عليهم، بسبب تردي الحالة الاقتصادية بشكل غير مسبوق.

ونشر صاحب إحدى محال الفواكه والخضروات، مقطع فيديو على تويتر، متفاعلاً مع الحملة، وهو يقوم بحرق دفتر “الدين”، الذي يسجل فيه قائمة من المتعسرين المدينين لمحله بمبالغ مالية، مشيراً إلى أن ذلك يعود إلى الظروف الاقتصادية السيئة في غزة.

كما تداولت وسائل إعلام محلية صوراً للتاجر أسامة أبو دلال، مشيرين إلى أنه أول من بادر في هذه الحملة عبر ظهوره في مقطع فيديو على فيس بوك يحمل فيه سجلاً لقائمة من المدينين، متنازلاً عن حقه وعن أمواله بسبب تعسر معظم سكان القطاع، عبر اتلاف تلك القائمة، وعلّق أحد المواطنين: “هذا مصير دفتر الديون في غزة، لنا الله”.

التاجر أسامة أبو دلال

ولم تتوقف حملة “سامح تؤجر”، التي سامح فيها الكثير من التجار وأصحاب العقارات وأصحاب الحقوق، المدينين لهم، ولم تتضمن فقط إخلاء ذمم مالية ومسامحات مادية، بل شملت كذلك عفواً من بعض العائلات وأولياء الدم، عما جرى من أحداث في 2007 عندما انقلبت حركة حماس على الحكم، متنازلين عن القصاص ومسامحين في دم أبنائهم.

توزيع سلال غذائية

وتضمنت الحملة كذلك، إلغاء أطباء أجرة الكشف الطبي، وإلغاء محامون أجرة العقود للمتعسرين، كما رفعت بعض الصيدليات نسبة الربح عن الأدوية المزمنة، إضافة إلى الكثير من المبادرات الخيرية والإنسانية الأخرى التي تزامنت مع الحملة، والتي توجت أخيراً بعدد من الشباب المتطوعين الذين عزموا على توفير وجبة غداء اليوم الجمعة، للأسر المستورة والمعوزة في القطاع وذلك بمجهودات فردية.

فحوصات طبية مجانية

وحظيت الحملة بردود أفعال واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، يتناول 24 فيما يلي بعضاً منها:وقالت ناشطة على تويتر “غزة تلقن محاصريها درساً آخر في الأخلاق والحياة والحب وتوطيد العلاقات الاجتماعية ضمن حملة سامح تؤجر”، وأضاف مواطن آخر: “ليس هدفها مسامحة الناس بالديون والأموال فقط، هدفها نشر الحُب والتآخي والشعور بالآخرين، في هذا الوضع، الترابط الداخلي وأن يشد كل منا على يد أخيه، هو الأساس وهو الصواب”.

وعلّق عطية إبراهيم ساخراً: “غزة بدأت الحملة، والناس تسامح بديونها، معقول الرئيس سمع فيها.. ليسامح غزة ويرفع العقوبات عنها؟”.

توزيع مياه ضمن الحملة

كما استنكر عدد من الناشطين تغيب الحكومة وأصحاب القرار في غزة عن مثل هذه المبادرات، وترك الشعب الذي عانى من ظلمهم، في تحمل أعباءه وحده، ملقين باللوم على حركة حماس التي أوصلتهم إلى هذا الحد من العوز والحاجة، مع تفشي الفقر والبطالة في ظل حصار خانق لأكثر من 10 أعوام.

وتداولوا على نطاق واسع التغريدة التالية: “شركات الهاتف المحمول، وشركة الكهرباء وشركة المياه والبلديات… حابين نحكيلكم أنه في حملة بدأت في قطاع غزة اسمها سامح تؤجر، هل لفتت انتباهكم؟ مع العلم أنكم تحتكمون على الملايين فيما لا يحتكم من سامح سوى على القليل”.

وقالت ناشطة على فيس بوك: “كم هو عظيم هذا الشعب بتكافله مع بعضه البعض، أما آن للقيادة أن تتكافل مع شعبها وأن تعطيه أدنى حقوقه ممثلة بالراتب، والحياة الكريمة”. 

ونشر بعض المواطنين في غزة صوراً لرسائل وصلتهم من أصحاب البيت يتنازلون فيها عن قيمة الأجار المتراكمة عليهم، إضافة إلى رسائل من الدائنين بالتنازل عن أموالهم للمدينين في القطاع.

وبالبرغم من لظى الحصار الذي يشكوا منه سكان غزة وما خلفته الحروب المتوالية عليهم، إلا أنهم متمسكين بالحب والحياة فيما بينهم، متقاسمين الألم، عازمين على الصمود في وجه معاناتهم المشتركة، عاكسين التراحم والتكافل على حياتهم اليومية.

ولعل الحملة تسلط الضوء أكثر على الطبقة المسحوقة في القطاع، والحاجة الملحة لإنعاشها وتعزيز صمودها، ورعاية الفقراء وسد جوعهم وإسنادهم، إضافة إلى حاجة المجتمعات إلى حملات خيرية وإنسانية مشابهة يُبنى ويُنفع بها.

زر الذهاب إلى الأعلى