إصويفية .. من حكايات القرية البحرينية ” كرزكان “

من كتاب حكايات من القرية – قيد النشر : أمينة الفردان و أحمد المؤذن / مملكة البحرين




لوحة الغلاف / للفنان السعودي عباس أحمد آل رقية
ما تحلى سوالفنا إلا بالصلاة على محمد وآل محمد ..
يقولون .. كان هناك رجال (1) فقير تزوج من مره(2) طيبة ، وجابت ليه ابنيه (3) ، بعد سنوات ، ماتت مرته (4) ، فظل الرجال مخلص إليها ولبتها (5) .

 وفي القرية كانت فيه مره (6)  كبيرة  عزبه (7) ، أخذت تتردد على بيته واجد (8) ، و كانت تقول لبته (9)  : ( قولي لأبوش يعرس إبي (10).
 والبت (11)  ما تعلم أبوها بالأمر، ولما حنت عليها (12) ، علمته  بسالفت المره (13)  اللي تجي (14) ، و طلبها.
ومن أول نوبة ما رضي (15)  خوف على بته (16)  ، وقال : أنا ما بعرس بالموليه (17)  ، لأني أخاف عليش (18) من زوجة الأبو (19)  تأديش (20)
لكن ظلت هديك المره (21) تتردد على طول على البيت ، لين ما  عدنت عليها البنيه (22) ، وصارت تكرر طلبها : ( قولي لأبوش : يتزوجني )، وقامت وقالت لأبوها باللي تطلبه هالمره ..
لكن .. في هذه النوبة (23) ، طلب منها أن ترجع وتسألها : جم تبغي ؟ (24) مهرها.

وعندما سألتها البنت عن مهرها، قالت : أني مره عوده (25)  ، بغيت  مهري هالشكل هالشكل  (26)  ، فوافق الأب على الأمر وصار العرس.
في البداية .. كانت زوجة الأبو (27) زينة مع إبناوتها (28)  ، ولما حملت ، بعد  شهور جابت ابنية (29)
لكن لما مرت الأيام ، تغيرت معاملتها لإبناوتها (30) ، وصارت تسوي ليها سوالف (31) ، وحملتها مسئولية الخمام (32)  ، وغسل المواعين (33) ، وغيره ، بس الطباخ ما خلته عليها (34)

وفي يوم .. راح الأبو (35) إلى البحر للصيد ، وجاب  وياه  شوية سمج (36)  اللي صاده (37) ، أخذت مرته السمج  وعطته إبناوتها عشان إتصفطه (38).
أخذت البنيه السمج وبدأت إتصفطه (39) ، ما شافت إلا سمجة الصافي ” إتحاجيها (40) ، وتقول : هديني .. لا تصفطيني  وبساعدش (41)

قالت لها البنيه : إذا خليتش  وما صفطتش بتضربني مرت أبي  (42)
فقالت ليها إصويفية (43) : ما عليش  إنتين بس  خليني أهرب (44) ، وإذا صار فيش  شي ، تعالي إليي السيف وبساعدش  (45).
بعدها قامت البنيه تصفط كل السمج بس الصافية .. خلتها تهرب (46)

بعدين  خلت  بقية السمج بالملالة (47) ولما جت مرت الأبو (48) ، قامت وعاقبتها ، حرمت عليها الأكل أيام . إذا جا وقت الغدا ، وتخلي  السفرة إلى الرجل  حتى ياكل غداه بروحه (49) ، وإذا سأل عن بنته ، قالت ليه : بأنها تغدت وياها . (50)

ولما حول عليها الجوع (51) ، طلعت إلى السيف ، وصارت تكلم إصويفية وتقول:
إصويفية يا يمه ، خالتي مرت أبوي ، خلتني بدون غدا وعشا

وبعدما إستخبرت إصويفية  بحالها ، قامت ، وعطتها  أكل .

وصارت البنيه  كلما تجوع تروح إلى إصويفية حتى تعطيها أكل (52).

 وفي أحد الأيام جتهم عزيمة عرس في الديرة اللي صوبهم (53) ،  وبعدين عزمت مرت الأبو إتروح العرس (54) واستعدت ، وعدلت بتها  (55)  

أما إبناوتها ” ابنة زوجها ” ، حبستها في البيت ،وتيسرت عنها ويا بتها (56)  ، ولما طلعوا جت صويفية (57)   وقامت وجهزتها وزينتها بالثياب الحليوه وخلخال الدهب .(58)

بعدها راحوا العرس ، وفي الطريق مروا بعين ، قالت إصويفية ، شوفي .. هذه عين ،أحنا عطاشى تعالي نشرب ما. (مــاء )

ولما دخلوا شافوا عند العين رجال (59) ، أترووا من الما (60)  ، ولما بغوو يمشون (61 ، تعمدت صويفية اتطيح الخلخال مال البنية (62)

ألتفتت البنية وقالت ليها.. ده طاح خلخالي (63)  ، قالت إصويفية : تركيه عنش وامشي .. خلته ومشت وياها (64)
 بعدها اتقرب الرجال ( ولد السلطان ) ، وأخذ فردة الخلخال وحملها وياه .

ولما رد  إلى قصره ، أعطى فردة الخلخال أمه ، أخذتها ، وقامت تدور من بيت إلى بيت تدور على راعية الخلخال.
وكلما تروح بيت وتقايس الخلخال على بناتهم ، ما تحصل صاحبته ، أما يصير كبير أو صغير على رجايلهم.
ولما استخبرت مرت الأبو عن السالفة ، قامت وجهزت بتها (65)،

أما إبناوتها ، قامت وغيبتها في التنور (66) ، وخلت عليها غطا رحى ( 67)  .
ولما وصلت مرت السلطان  ، دخلتها مرت الأبو ، وحيت ورحبت بها ، عيطت على بتها عشان اتجي (68)  ) وتقيس الخلخال على ارجولها ، لكن مرت السلطان  ، سألتها : سمعت ان عندكم ابنيه ثانية  ، وينه هي ؟ قالت ليها : الحين .. مو في البيت .. طلعت.(69)

الحين جت إصويفية ، وجنها ” ديج ” وقامت تصيح ( 70) 

كاكا كاكا كاكا

الحلوه بالتنور

إمغطيه بالرحى

وجيلة (71) شعير
سمعت مرت السلطان حجي الديج (72)، حاولت مرت الأبو تقنعها ان اللي سمعته مو صح ، قالت ليها : أني بروح التنور وبشوف ، ولما راحت التنور ظلت اتدور ، لما حصلت البنيه.
وقامت وخطبتها لولدها ، فشرطت عليها مرت الأبو بأن يكون مهرها إبناوتها .. مرحلة سمك إجواف ، ومرحلة بقل.(73)
وقالت لإبناوتها ..

هذا مهرش إكليه

ما حد إيشاركش فيه
وحتى تنتقم منها مرت أبوها ، قالت : لازم تاجلين (74) كل مهرش  ” مرحلة سمك وياها مرحلة بقل ، وسوت العروس باللي قالوا ليها ، وكانت كلما تأكل من البقل إصويفية تساعدها ، وتزحره عنها(75).
بعدها قامت إصويفية بتجهيز العروس وتزيينها ، وصار العرس ، وراحت بيت السلطان.  وفي صباحية العرس ، راحت زوجة الأبو تشوف العروس ، عشان تتأكد من موتها ، ولما فتحت ليها العروس الباب ، إنزهقت و ضربت جف بجف.(76)
مرت أيام وطلبت مرت السلطان الخت الثانية إلى ولدها الصغير ، ولما سألوا أمها عن مهرها ، قالت مهرها مثل مهر أختها .. مرحلة سمك إجواف ومرحلة بقل.
وقالت الأم لبتها:

هذا مهرش إكليه

ما حد إيشاركش فيه
أخذت البت مهرها .. مرحلة البقل ، وظلت تاجل وتأجل و تاجل (77) .. إلما صارت تزوع واجد (78) ولما جا المعرس شاف عروسه على هالحال (79) ، هرب عنها ، و العروس ماتت ، و جا الديج وسحب مصرانها.
(( تحلـــيل القصـــة  )) ………………………………………
هذه القصة الماثلة أمامنا تكتنز بداخلها عدة دلالات و مضامين ، فمن حيث الشكل الموضوعي تصور القصة واقع الظلم الذي يمارسه البشر على اخوانهم كما فعلت زوجة الأب بابنة زوجها البريئة النوايا . من الملاحظ هنا أن العديد من الثقافات تكاد تتفق في اعتبار ” زوجة الأب ” مصدر الشر و المتاعب ولنا في حكاية السندريلا  المعروفة كقصة من التراث العالمي خير مثال .

فهنا توجد تقاطعات في بنية حكاية ( صويفية ) من حيث الشكل و المضمون ، أوجدت تموضعات متمازجة في طبيعة القصة التوجيهية التي يراد منها النصح و التذكير بعاقبة فعل الشر ، فهو في النهاية لا يحاصر إلا أهله و المتورطين في حبائله ! ( صويفية ) عندما نتأمل هذه التوأمة بين السمكة و الفتاة ، هناك اتفاق في المضمون يحيلنا على جوانب خفية من القصة تحتاج قراءتها بوعي .
من هذه الجوانب التي نعنيها هنا ، شخصية السمكة (صويفية) في متن الحكاية و إذا جاز لنا القول : بطلة الحكاية التي شاركت الفتاة أغلب الأحداث ، وهي من موقع حركتها واختراق حدود الممكن ( اسطورياً ) تتكشف لنا قدرتها على سرعة الفعل و نوعيته من أجل إنقاذ الموقف ، و هو جانب مهم من ناحية طبيعة الخطاب كما في بعده الرمزي واتصاله بالمجتمع .. ( يحتوي التراث العربي القديم على العديد من الحكايات ذات الأبعاد الرمزية ، و التي يتم من خلالها توظيف هذه الرموز للتعبير كعناصر في المجتمع ، أو في الحياة بشكل عام ، تعذر التعبير عنها بصورتها الحقيقية . و نسميها رمزية – تجاوزا –   لأن شخوصها اخيروا من الحيوانات ، و نموذجها ” كليلة و دمنة ” التي حاولت تصوير فضاء حيواني ، عجائبي لا يختلف كثيرا عن عجائبية بعض الأعمال الفانتاستيكية في أوروبا –  القرن التاسع عشر ) (80) . على ذلك .. فحالة السمكة وحركتها فيها تقمص دلالـي موازي للفعل الإنساني ، ينشغل برد الظلم عن الآخرين ، الفقراء أو الضعفاء كما أن ظهور السمكة من عمق الماء يحمل دلالة أخرى غنية الحضور ضمن سياق الحكاية يتمحور حول معنى الخصب و التجدد.. (( ومعاني الخصب في التراث الشعبي هي معاني السعادة التي تتكل بالطقوس الاحتفالية وبالمعتقدات الايجابية نحو كل مصدر من مصادر الخصوبة .

السمكة تعد رمزاً للإخصاب منذ العصور القديمة حتى اليوم .

فالسمكة مخلوق مائي خرجت من البحر وبقيت حيه …. ، وهذا يعيدنا إلى رمز الماء وإلى العديد من الدراسات التي أثبتت أن الماء رمز الميلاد .

في المعتقدات القديمة التقت دلالات الإخصاب مع دلالات الميلاد التي هي دلالات مرتبطة بعوامل العلية والسبب والنتيجة : فعلة الميلاد وسببه وجود حالة الخصب ، وحدوث الميلاد هو بدء حياة جديدة ، وإضافة خلق جديد وسعادة متجددة )).(81)

على ذلك فإن هذا الظهور للسمكة تقمص دوراً مؤثراً ثم لاحقا إلى ديك ضمن الحكاية الشعبية كشكل فني تعبيري يشترك في تأليفه أكثر من شخص مجهول ، عبر الإضافات التي تدخل على نسيج الحكاية الأصلية، هنا التوظيف الظاهري الأول في تصاعد الأحداث يتجه نحو حالة الصراع ، كـ .. ثيمة رئيسية سيطرت على مجمل الأحداث . حكاية السمكة مع البنت المظلومة و زوجة الأب القاسية ، عبارة عن مثلث متكامل الأضلاع في صيرورة القصة وهي تتصاعد رويداً رويداً حتى تبلغ النهاية .

الراوي ” الأول ” المجهول في هذه الحكاية ، واضح أنه ” ابن بيئته ” و عبر عنها أصدق تعبير حينما جعل من السمكة بطلة الحكاية ، وهذا يدل على ارتباط عميق بحياة البحر . هناك أكثر من ارتباط  رئيس بعنصر البيئة ضمن هذه المنظومة الحكائية ، فمن المهم تفكيك هذه الجوانب في صلب الحكاية ، بهذا نتمكن من ترجمة ظروف و ملابسات ” السرد الشعبي ” إن جاز لنا القول و فهم تلك المحركات الثقافية التي تكمن خلف الحكاية .  نعم فالنصيحة أو التوجيه من الأمور التي تركز عليها الحكاية الشعبية كنسق اجتماعي يساهم في خلق الوعي والمعرفة النسبية في أبسط أشكالها ، لكن تبقى لهذه الحكايات سياقات ثقافية عميقة الغور ، تنطلق في مناحي شتى من الحياة ، تعبر حدود الزمن و المكان ، صيرورتها الجغرافية تتحدث عن زمنٍ مضى ، فيه صراع الخير و الشر ، خطاب يعبر حدود المكان و الزمان كما أسلفنا القول ، هكذا تعطينا الحكاية الشعبية ببساطتها الظاهرية ، مضمونها المختزل بداخلها والذي يشاكس أفكارنا و تصوراتنا ويتركنا بمواجهة تساؤلات الحاضر ، قد تكون تساؤلات ثقافية ، فلسفية ، اجتماعية ، قيمية ، أو خليط يجمع ما سبق يقدم الفائدة و المتعة  ، صحيح أن الأحداث تباينت في منطقيتها لكنما ” المتلقي ” بطبيعة الحال أو المسرود له سيبقى منشغلا ً في تتبع حركة السمكة التي أكملت دورها في الحكاية باعتبارها المنقذ الذي يرفع من الحالة المعنوية للفتاة / الصديقة و يهبها الأمل و السعادة في الحياة.

 الهوامش  :
_______________________________
(1) رجل (2) امرأة (3) أنجبت له بنت (4) زوجته (5) لإبنتها (6) امرأة (7)عزباء (8) كثير (9) إلى إبنته (10) قولي  لأبوك بأن يتزوجني (11) البنت (12) لما تكرر الطلب من قبل تلك المرأة (13) بـ ” قصة المرأة ” (14) التي تأتي  في كل مرة البيت
(15) من أول مرة لم يقبل (16) إبنته (17) لن أتزوج أبداً (18) عليك (19) الأب (20) تؤذيك.(21) تلك المرأة
(22) إلى أن تعودت عليها البنت وطمئنت لها (23) هذه المرة (24) كم تريد (25) أنا امرأة كبيرة (26) أردت مهري كذا وكذا (27) الأب (28) طيبة ولطيفة مع بنت زوجها (29) ولدت بنت (30) إبنة زوجها (31) تسبب لها المشاكل
(32) كنس البيت (33) الأواني (34) فقط الطباخ لم تحملها مسئوليته (35) وذات يوم ذهب الأب (36) أحضر معه القليل من السمك (37) الذي اصطاده بنفسه (38) أخذت زوجته السمك وأعطته إبنة زوجها كي تنظفه البنت (39) أخذت البنت السمك وبدأت بتنظيفه (40) لكنها تفاجئت  بسمكة الصافية  ” الصافي”  تتحدث إليها (41) دعيني وشأني ولا تقتليني  وسوف أساعدك
(42) إذا تركتك وما قطعتك ونظفتك ستضربني  زوجة  أبي. (43) ( السمكة الصافية ) (44) لا عليك أنتي فقط دعيني أهرب
(45) وإذا أصابك أي مكروه ، تعالي لي عند ساحل البحر  وسوف أساعدك (46) قامت البنت بتنظيف وتقطيع كل السمك ما عدا  فقط إصويفية تركتها تهرب.  (47) بعدها وضعت بقية الأسماك في ملالة .. وهي وعاء ” قفة ” من خوص يتم تعليقها بالسقف. (48) وعندما جاءت  زوجة الأب ، اكتشفت أمر الصافية ” المفقودة ” (49) لكي يتناول غداءه لوحده
(50) قالت له بأنها سبق وأن تغذت معها (51) حين أصاب البنت الجوع (52) وهكذا اعتادت البنت باستمرار على الذهاب إلى ( إصويفية ) كلما ضاق بها الجوع لتعطيها بعضا من الأكل (53) جاءتهم دعوة حفل زواج في القرية المجاورة لهم (54) فقررت زوجة الأب الذهاب إلى ذلك العرس (55) جهز إبنتها الشابة على أكمل وجه. (56) وذهبت عنها برفقة أختها الصغرى (57) وعندما خرجتا ، جاءت (58) ( حلية شبيهة بالسوار تزين رسغ القدم ) (59)عندما دخلتا وجدتا بجانب العين رجلاً (60) فشربتا  من الماء (61) وعندما أرادتا الانصراف (62) عمدت إصويفية على إسقاط فردة الخلخال من رجلها (63) سقط خلخالي ، سقط خلخالي (64) دعيه وامشي، فمشت معها وتركته مكانه.
(65) عندما سمعت زوجة الأب، بأمر ابن السلطان الذي يبحث عن صاحبة الخلخال، جهزت ابنتها واستعدت لذلك.
(66) فقد وضعتها  في المطبخ (67) ووضعت عليها غطاء الرحى (68) نادت على إبنتها حتى تأتي (69) فأجابتها : هي الآن غير موجودة بالبيت ، لقد خرجت.(70) في هذه الأثناء جاءت إصويفية ، لكنها هذه المرة على هيئة ” ديك  ” وأطلقت صياحها .
(71) مكيال (72) كلام الديك (73) المرحلة هي وعاء خوصي كبير والبقل هي من الخضروات البحرينية الوفيرة.
(74) لابد أن تأكلين(75) تأكله عنها (76) جفلت وضربت كف بكف (77) تأكل وتأكل وتأكل (78) تتقيء كثيراً
(79) وعندما جاء المعرس وشاهد عروسه بهذا المنظر الكريه
(80) شعيب حليفي ، شعرية الرواية الفانتاستيكية ، المجلس الأعلى للثقافة ط 1 الرباط 1997 
(81) حكايات الجنعدة نموذجاً – قراءة في الدلالات السردية في الحكايات الخرافية ، أدب شعبي ، مجلة الثقافة الشعبية ، العدد 26 

زر الذهاب إلى الأعلى