تحفل الحياة بالمزيد من القصص الملهمة والتي تبعث الأمل بالرغم من قساوة تفاصيلها وعمق مأساتها، هذا ما كانت عليه قصة الفتاة السعودية ” بدور ” والتي سردت لـ ” عين اليوم ” أسرار صراعها مع طفرة جينية ولدغة أفعى سامة فاقمت من خطورة مرضها حتى كادت تفقد حياتها لولا الله ثم بركة الصدقة وحفاظها على قيام الليل وقراءة سورة البقرة التي غيرت مجرى حياتها وأسهمت في تحسن حالتها وحصولها على متبرعة ألمانية متطابقة الخلايا الجذعية أنقذتها من مرضها بفضل الله .

البلاستيك أنيميا واللدغة السامة

بدأ المرض يدب في جسد بدور في عمر ” 17 سنة ” حيث عانت من طفرة جينية تسببت بإصابتها بمرض ” البلاستيك أنيميا ” ، والذي أوضح الطبيب الاستشاري محمود الجرف في مستشفى الملك فيصل التخصصي المعالج لحالتها أنه ليس وراثيًا وإنما طفرة جينية ، وتحتاج لزراعة خلايا جذعية ، مشيرًا إلى أن الطاقم الطبي لم يتمكنوا من معرفة سبب مرضها فأخبرته أنها تعرضت إلى لدغة أفعى في طفولتها وكانت حالتها خطرة آنذاك ، وسألته عما إذا كان هنالك ارتباطًا بين مرضها ولدغة الثعبان ليجيبها بأن لدغات الأفاعي لها تأثير كبير على الدم وعليها التواصل مع اخصائي سموم لمعرفة المزيد .

حضرت عائلة بدور للمستشفى لإجراء التحاليل والتأكد من وجود خلايا جذعية مطابقة ، وبعد إرسال التحاليل إلى الولايات المتحدة تبيّن عدم وجود مطابقة مع عائلتها بإستثناء شقيقتها الصغيرة ( 9 سنوات ) إلا أنها فضلت عدم إجراء زراعة الخلايا لخوفها من العلاج الكيماوي ، لتبدأ بعدها رحلة المعاناة الشديدة مع أعراض المرض .

سقوطها طريحة الفراش

بعدما أجرت بدور أخذ ” خزعة ” من نخاع العظم وتشخصيها بمرض البلاستيك أنيميا ، وحاجتها الماسة لزراعة خلايا جذعية لكون المرض سيتطور مع مرور الوقت ويؤدى إلى فشل النخاع ، دخلت بدور في حالة اكتئاب شديد لصدمتها من المرض ، الذي بدأت أعراضه تظهر تدريجيًا مع مرور السنوات ، وبعمر 17 سنة سقطت طريحة الفراش وأصبحت تشعر بإجهاد عظيم وتشوش بالرؤية واستفراغ وظهور كدمات بالجسم .

إنتكاسـة وصدمة أخرى !

بعمر 23 سنة ازدادت حالة بدور سوءًا بعد ظهور أعراض أخرى للمرض مثل نقص الصفائح ونقص المناعة ، وانتكست حالتها بشدة وأمر الاستشاري بإجراء زراعة الخلايا الجذعية فورًا إذ أن نخاع العظم أصبح شبه فاشل .

وبينما كانت بدور تستعد لزراعة الخلايا الجذعية من شقيقتها الصغيرة الوحيدة المطابقة لها ، إلا أنها تلقت صدمة أخرى حيث أن شقيقتها كبرت وأصبحت غير مطابقة لها بعد 5 سنوات من اجراء تحليل المطابقة السابق عندما كانت شقيقتها بعمر ” 9 سنوات ” لتدخل بدور في حالة يرثى لها .

تقول بدور : كان الأمر أشبه بالصدمة فلقد تعبت نفسيًا كوني بلا متبرع وأيضًا كنت بالعزل وقتها ، حيث لم تكن لدي مناعة وكذلك الدم والصفائح كانت منخفضة جدًا .

ومكثت بدور في عزل المستشفى لمدة أربعة أشهر مع أخذ 150 كيس دم وصفائح دموية وتتلقى يوميًا إبرة مناعة .

بركة الصدقة وقيام الليل

بعد تفاقم حالتها الصحية ، قررت بدور مساعدة نفسها وإتباع قول النبي صلى الله عليه وسلم ( دَاوُوا مَرضاكُمْ بِالصَّدقةِ ) وقامت عائلتها بالصدقة بنية شفائها من المرض ، في حين أنها أثناء العزل دأبت على قيام الليل وقراءة سورة البقرة ، وبعد شهر من ذلك ارتفعت المناعة والصفائح لديها وأكد الفريق الطبي المكون من 21 طبيب أن حالتها بدأت بالتحسن وبإستطاعتها الخروج من العزل لكنها تحتاج لزراعة خلايا جذعية ، وهو الأمر الذي كانت كثيرًا ما تصلي الإستخارة من أجله وتشعر بمواقف تمنعها من الارتياح لاجرائها وأن وقتها لم يحل بعد .

بشرى الصدقة

تقول بدور أنه بعد مرور شهر من تصدق عائلتها بنية شفائها، تلقت البشرى من الاستشاري المشرف على حالتها الذي أخبرها أنهم عثروا أخيرًا على متبرعة من ألمانيا مطابقة لها تمامًا، وكان الاستشاري متفاجىء جدًا ويخبرها أن هذا التطابق التام أمرًا نادرًا ، فيما أخبرتها الإستشارية الأخرى أن ما حصل لها يعد معجزة لكون التطابق بهذه النسب العالية لا يحدث إلا بين الأشقاء .

شعرت بدور بسعادة غامرة وكأنها عادت للحياة من جديد بعدما أنهكها المرض لدرجة لم تستطع المشي واصيبت بنزيف بمناطق متعددة من جسدها .

زراعة الخلايا الجذعية

بدأ الكادر الطبي في تجهيز بدور والإعداد لعملية زراعة الخلايا الجذعية وأدخلت للتنويم ، وبدأت أولا بأخذ جرعات الكيماوي لمدة اسبوع ثم جلسة علاج اشعاعي لكامل الجسم ، وفي الاسبوع التالي تمت زراعة الخلايا الجذعية والتي كانت مثل كيس التبرع بالدم ولكن بحجم أكبر حيث يحتوي على جميع مكونات الدم أو ما يسمى بالخلايا الجذعية .

توضح بدور أن الزراعة لم تكن مخيفة ولكنها متعبة خاصة في الأربعة أشهر الأولى لأن المريض يحتاج عناية خاصة ويمكث في غرفة العزل ، مشيرة إلى أنها بعد 45 يوما من الزراعة ظهرت جميع النتائج إيجابية بفضل الله ، وخرجت من المستشفى الى سكن المستشفى حيث تلقت بقية علاجها هناك ومكثت فيه حتى أنهت الأربعة أشهر ثم عادت أخيرًا لمنزل عائلتها وقد تعافت بفضل الله .

اللقاء مع الألمانية دوريس

بعد إجراء عملية زراعة الخلايا كان منسقي الزراعة بخبرون بدور بأن المتبرعة الألمانية دوريس نبيدر هامر كثيرة السؤال عنها وكانت بدور وترغب في التواصل معها ورؤيتها لكن المستشفى يمنع التواصل بين المتبرع والمريض إلا بعد مرور عام تقريبًا .

ولم تكن بدور تعلم أن منسقي الزراعة يعملون على مفاجأتها ولقائها بدوريس ، وهو ما تم يوم أمس الأول خلال فقرات المؤتمر الثاني للخلايا الجذعية بمستشفى الملك فيصل التخصصي ، وكان اللقاء بينهما قد طغت عليه مشاعر السعادة التي رصدها الحاضرون .

وتقول بدور : كان شعورًا غاية في الجمال وبادلتني دوريس ذات المشاعر وكانت لطيفة جدًا ، وتبادلنا الهدايا وأرقام التواصل وأبدت سعادتها بزيارتها للسعودية التي قالت عنها بلد جميل وأهلها لطيفين .

شاركها.