11 قوة خارقة يمتاز بها المدرس عن غيره

قوى المدرس الخارقة
م أستوعب حتى اللحظة أن السيد ” إذ القاضي” قد وافته المنية السنة الماضية، أحتاج إلى مزيد من الوقت لأعي أن سوبرمان المعلمين بالنسبة لي لم يعد له وجود. قد تتساءلون مغزى تسميتي له بذلك الاسم الغريب، كل ما في الأمر أن لذلك الشخص أثرا عميقا في شخصيتي و قد أصبحت اليوم مدرسا مثله في الثلاثينات من عمري. لا أملك تلك القوى الخارقة التي كان يملكها لكن أعتقد أنني اكتسبت بعضها و غايتي إدراك جلها. ” السي إذ القاضي” كما نقول في عاميتنا، كان أبا ثانيا لي ، رجلا متدينا و خلوقا بمعنى الكلمة، مثقفا، ذا ذاكرة قوية، و له كاريزما غريبة تمكنه من ضبط القسم بإشارة واحدة فقط. لا يعنفنا و لا يصرخ في وجوهنا البريئة، بل كان وديعا و حنونا يقص علينا قصصا جميلة و حكايات من طفولته المليئة بالمغامرات. حصته كانت ممتعة للغاية إلى حد أننا لا نترك الفصل إلا بعد رنين الجرس بمدة.
هذا المقال هو بمثابة اعتراف له بالجميل و تكريم للمدرسين أمثاله ممن ضحوا بوقتهم و مالهم من أجل تعليمنا و تربيتنا و إسعادنا حيث سنذكر بعضا من أهم القدرات و القوى الخارقة التي يمتاز بها المعلم عموما بحكم طبيعة و إكراهات عمله مع أن الكثير منكم قد يعتقد أنها في طريق الانقراض.
إكراهات و ظروف العمل القاسية التي يتعرض لها المعلم خصوصا في بداية حياته المهنية، قد تجعل منه ذلك الرجل الحديدي الذي لا ينكسر بسهولة، حتى أنه أصبح تلك الحلَقة الأضعف في السلم الإداري و الذي عبره تُمرّر القرارات الحكومية المجحفة و به تبدأ السياسات التقشفية و التدابير الإصلاحية المُغرضة.
عوامل كثيرة تجعل للمعلم ذاكرة قوية، منها ما له علاقة بحجم المعلومات المحتفظ بها و تطورها المستمر و منها ما ينبني على طبيعة المهنة و التي تفرض التخطيط الممنهج للدروس و التعامل مع وضعيات ديداكتيكية مختلفة في كل مرة و التتبع الفردي لعدد كبير من الطلاب كل سنة…
يمكن اعتبارها مهارة إذا ما تم تطبيقها بشكل جيد، و من مظاهرها أو أسبابها نجد أن المدرس مثلا يمكنه تصحيح دفاتر الطلاب و تقويم قراءاتهم و الانتباه إلى ما يروج في الفصل من سلوكات غير عادية في آن واحد، و هذه لوحدها تجعل من المدرس سوبرمانا حقيقيا.
قد لا يستطيع الآباء فرض الانضباط على أبنائهم داخل البيت أو خارجه، لكن المدرس له من التأثير ما يجعل تصرفاتهم مختلفة تماما حتى خارج الصفوف خصوصا الفئات العمرية الصغرى، ما قد يفاجئ الآباء أحيانا لدرجة أن يجعلوا من المدرس فزاعة مخيفة ترافق الطفل أينما حل و ارتحل.
لربما هي المهارة الأكثر تمييزا للمدرس حتى أصبحت هاجسا للبعض، فاتخذت أشكالا غير محمودة. فهو لا يترك الأمور المالية تسير بطريقة عبثية دون تخطيط مسبق قد يكون مبالغا فيه أحيانا. أما فيما يخص إدارة الوقت فربما عوامل مختلفة كهاجس إتمام الحصة الدراسية في الزمن المخصص لها، أثرت على المدرس حتى أصبح تنظيم الوقت بالنسبة له عنصرا أساسيا في حياته الشخصية و العملية.
للمدرس من كل فن طرف، قد تجده ملما على سبيل المثال بالسياسة و الرياضة و الأدب و التقنية وغيرها في آن واحد، وهذا يدخل في إطار طبيعة المهنة التي تجعل من الضروري الاهتمام بميولات الطلاب و اهتماماتهم للتفاعل معهم في ما يحبونه و يستمتعون بفعله، مما ينعكس تدريجيا على تطور شخصية المعلم و ثقافته العامة.
أعرف الكثير من المدرسين الذين يتوفرون على مواهب كثيرة قد لا تكون مفيدة للفصل عمليا بقدر ما تشكل الطابع المعقد لشخصيته و الذي ينعكس مباشرة على مردوده داخل الفصل. العزف على الآلات الموسيقية و الرسم و الرياضة و كتابة القصص و الشعر و التصوير و التمثيل و التدوين الإلكتروني و ممارسة الصيد وغيرها، قد لا تكون مجتمعة كلها عند مدرس واحد لكن تأكد أنك لن تجد لديه هواية أو موهبة واحدة فقط، و لربما هي سمة معلم القرن الواحد و العشرين بامتياز.
المعلم هو الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يعوض دور الأب أو الأخ ( الأم أو الأخت بالنسبة للمعلمة) على الأقل في المحيط المدرسي و غرف الدراسة. و هنا يأتي الجانب التربوي في مهنة التدريس و ما يصحبها من دعم نفسي و معنوي و مصاحبة اجتماعية للطلاب.
أغلب المعلمين ينشطون في جمعيات خيرية أو هيئات حقوقية، ولعل السبب هو احتكاكهم المباشر و المستمر بحالات اجتماعية و إنسانية مؤلمة من الواقع القريب للمدرسة، أغلبها له تأثير مباشر بتمدرس الأطفال ( ظروف صحية، مشاكل عائلية، فقر مدقع…).
للمعلم القدرة على التأثير في مجموعة كبيرة من الطلاب داخل المدرسة و كذلك أولياء أمورهم بشكل قصير أو طويل المدى، ما قد يجعل الأمر سهلا في نقل هذا التأثير بسرعة إلى مجتمع القرية أو المدينة، وحبذا لو كان هذا التأثير إيجابيا يخدم مصلحة الوطن عبر نشر العلم و الوعي و ثقافة التسامح…
يشكل المدرسون و العاملون في الحقل التعليميي جماعة ضغط قوية، بسبب عددهم الكبير و بسبب انخراط معظمهم في العمل الجمعوي و النقابي و الحزبي… فبغض النظر عن الاختلاف الانتمائي الذي قد يتخلل حتى المدرسة الواحدة، لا يمكن تجاهل هذا التأثير الكبير على الساحة السياسية المحلية و الوطنية سلبا أو إيجابا.

زر الذهاب إلى الأعلى