من كتاب حكايات من القرية – قيد النشر : أمينة الفردان و أحمد المؤذن / مملكة البحرين


اللوحة للفنان السعودي عباس أحمد آل رقية

              ما تحلى سوالفنا إلا بالصلاة على محمد وآل محمد ..

يقولون ..  كان في اخوان افنين (1) ، واحد فقير مدعدع (2) ، والفاني غني ، المسكين الفقير ما عنده أجلت (3) ساعة ، ولما يستعسر ، يروح عند أخوه الغني ، يجدي وياجل اللي الله يكتبه . (4)
وفي يوم .. قال الأخو الغني والله هالرجال فشلني قدام الأوادم (5) ، وقال : لازم أفتج منه وارتاح من همه.(6)  

وعزم أن يسوي جفرة عوده (7) ، وجمع أولاده وعلمهم إن ناوي يفتك من عمهم (8) ، وقال ليهم لما تسمعون صوته يصرخ ينادينكم تنجدونه ، ما عليكم منه كأنكم ما تسمعونه .. حقروه !
في نفس اليوم .. جايينه خطار ( 9) ، سوى ليهم وليمه عوده من هالخيرات (10) ، بعد اشوي إلا داخل هالفقير المسجين ، يمشي صوب الجدار ، بعيد .. عن الحفره اللي حفرها أخوه.
والأخو الغني يشاوط (11) يمين ويسار ، منا ومناك يعابل ضيوفه (12) ، ويا خير جيب خير من هالاجل الزين. (13)

 سمرت حواسه وضاعت (14) ، إشوي .. ما شاف روحه إلا طاح في هالجفرة اللي حفرها لأخوه. (15) قام يصرخ ويصرخ ، ويصفع على راسه (16) ، وما ليه صاحب ولا مجير ،

 لان هالأخو ( الغني ) سليمه اتجبه (17) كان موصي اولاده اذا طاح عمكم في الجفره .. حقروه (18).

 وقام يصرخ بأعلى صوته ، وما ليه أحد ! إلما وصل صوته إلى الضيوف ، واستعجبوا منهو هذا اللي يصرخ من قمة راسه ؟! قاموا .. يسألون : هذا منهو هاللي يصرخ ؟! وسألوا اولاده (19).

قالوا: ما عليكم منه .. هذا إلا عمنا هالمدعدع ، طايح في الجفره ، وبعد ما عرفوا الضيوف بالسالفة ، استنكروا وضربهم العجب (20) ، هدوا المحل ، ووينش يا الطريق. (21)

أما الرجال الغني ظل في جحوفته (22) يصرخ يصرخ وما في أحد ليه ، إلما مات في محلته.

ويا حافر حفره لأخوج ( 23) ، قال : طمج (24) الله فيها
(( تحـــليل القـــصة )) ————————————————-
من السياق العام للقصة ، مرة أخرى تعود أزلية كونية يتمحور حولها العالم منذ قديم الدهر ، وهي أزلية صراع الخير مع الشر . بطلاها شقيقين الأول غني والثاني فقير ، وبحكم الحالة المعيشية التي يكتوي بها الفقير و يعانيها بصمت ، يستنجد هذا الأخ بأخيه رغبة منه في طلب المساعدة ، معتقداً أن نوايا شقيقه طيبة ، حتى قرر ” الغني ” التخلص من أخيه المسكين ، لكيلا يتعرض للإحراج بسببه ؟!

القصة ساخرة في لغتها و هذه الروح الشعبية التي تكتنفها تضفي عليها رونق المضمون الايجابي الذي يزرع قيم الخير و يركز على صدق العاطفة الأخوية بين الأرحام .
كما يتضح من القصة .. الراوي الشعبي ، أخبرنا بمصير الشقيق الخبيث و الذي أراد التخلص من أخيه الفقير ، فوقع هو بالحفرة في نهاية القصة ولقي مصيره الأسود . في هذه الحياة هناك تضادات على خط المواجهة مع تكرار الليل و النهار لا تكف عن حربها ضد بعضها ، صراعها يؤكد الحتمية القدرية التي تلف هذا الوجود ، كما هناك حب يقابله كره ، بارد و حار ، فرح و حــزن و هكذا حتى قيام الساعة .
أبرزت القصة هنا جانب مهم من ” الأخوة ” المصادرة أو المختلة الميزان في بعدها المعنوي ، كذلك غياب العاطفة و قسوة القلب و التي تجسدت في قرار ” القتل مع سبق الإصرار و الترصد و من ثم الشروع في حفر الحفرة و الاستعانة بالأبناء لتنفيذ المخطط الشرير .

واضح من سياق القصة التوجيه التربوي الذي يحض على صلة الرحم كقيمة أخلاقية عليا في الدين الاسلامي و النأي عن فعل الشر و عاقبة من يضعون أيديهم في يد الشيطان . كما أن إشكالية الفقر في المجتمع الإنساني كثيراً ما تضع المرء في مواقف صعبة و عويصة تدفع بصاحبها و تعرض ماء وجهه لذل الحاجة في طلبها من القريب قبل البعيد . قيم أساسية عديدة تستعرضها القصة كي تبث الوعي في وجدان الناس ، تصل إليهم بهذه اللغة البسيطة المعبرة ، وليس هناك ما هو أفضل من الحكاية الشعبية التي تلعب دور المعلم في المقام الأول كوعاء حامل لقيم الآباء و الأجداد وأهمية زرعها في عقول الأبناء لحفظ منظومة المجتمع و هويته الثقافية . شخصية الأخ الشرير أبرزت بحضورها جانب لافت من تأزم داخلي / نفساني لم يكن يتصالح مع شقه الثاني ( الأخ الفقير ) كما أنه يعتبر وجوده كتهديد غير مباشر للنعيم الذي يرفل فيه أو مشارك غير مرغوب به مرهوب الجانب بذات الوقت.

أمر آخر ينبغي الالتفات إليه .. الحكاية الماثلة أمامنا في شكلها الراهن ، تلقيناها كما وصلت إلينا شفاهياً وقد أفرزتها الذاكرة الأنثوية من بيئــةٍ اعتمدت على قوة التلقي الشفاهي ردحاً من الزمن كوسيلة قوية التأثير تعوض فعل الكتابة لتخدم السرد العربي و تنجح في حفظ قيمة الموروث الثقافي ..    (( ينتمي السرد العربي القديم إلى السرود الشفاهية فقد نشأ في ظـل سيادة مطلقة للمشافهة، ولم يقم التدوين ، الذي عرف في وقت لاحق لظهور المرويات السردية، إلا بتثبيت آخر صورة بلغها المروي .(25)
وبطبيعة الحال البنية السردية الشفاهية في تقلباتها من عصر لآخر ، تحاصرها تحولات الزمن من نسيان أو اختراق في أصل الحكاية يحيل إليها بحسب الراوي الناقل ، ربما إضافات ثقافية قيمية تندس في عمق الحكاية لتحيط نفسها بأنسجة واقعية من شكل الخلية التي ولدت منها الحكاية فتكون جزءً أصيلا ً منها كما يراها ” المتلقي ” الراهن وهي تُـــسرد على مسامعه، الأمر الذي يحيلنا على إشكالية كبرى في التثبت من حالة الحكاية الأصلية في نشوءها الأول أين وكيف ولدت ؟! هذا ما تصعب إجابته أو تستحيل لكون التراث الإنساني مشترك في نهاية المطاف و متداخل بطبعه .
الهوامش : (1) إثنين (2) شديد الفقر ومهلهل لصعوبة حالته المعيشية (3) وجبة (4) يلجأ إلى بيت أخيه ” الغني ” كيما يستجدي ويأكل ما يكتبه الله له . (5) أحرجني أمام الناس (6)  فعزم أن يتخلص منه كي يرتاح. (7) فقرر حينها أن يحفر حفرة كبيرة جداً (8) بعدها استدعى أبناءه، وأخبرهم بأنه ينوي التخلص من عمهم ( 9) أقبل على بيته ضيوف (10) قدم لهم وليمة طعام كبيرة وفاخرة (11) يذهب ويأتي في أشواط (12) من هنا وهناك حيث يعتني بضيوفه ويغدق عليهم (13) ويا هذا الخير إكثر من الخير من الطعام اللذيذ الفاخر (14) تشتت حواسه الخمس وكأنما ضاعت (15) ما وعى نفسه إلا وقد سقط بجوف الحفرة (16) يلطم على رأسه (17) مقولة شعبية يقصد منها الدعوى بكب هذا الانسان على وجه لسوء فعله وعاقبته (18) وصى أولاده بأن لا يغيثوا صاحب الصوت ” عمهم الفقير ” (19) سألوا الأبناء عن مصدر الصوت(20) استنكر الضيوف وتعجبوا من هذا العمل المشين والغادر(21) تركوا المكان وصاحبه ورحلوا عنه (22) مرادف آخر للحفرة ” الحجوفه ” ، في جحوفته ” يعني في حفرته” ( 23) لأخوك (24) طمك أي أوقعك فيها

(25) السردية العربية –  بحث في البنية السردية للموروث الحكائي العربي /    عبد الله إبراهيم –  ص 24 ط 2 / 2000 م المؤسسة العربية للدراسات و النشر –  بيروت .

 

شاركها.