في منطقة “بولاق أبو العلا” بالقاهرة، يجلس رجل ستيني على كرسي خشبي أمام محله القديم قدم المنطقة، والعريق عراقة مهنته التي عفى عليها الزمن وجعلها على بعد خطوات من طي النسيان. يقوم عم فارس من جلسته رافعاً “مكواة الرجل” والتي أصبحت رفيقة دربه منذ أن كان مراهقاً يافعاً، ومصدر رزقه لعشرات السنوات منذ أن تعلم مهنة “مكوجي الرجل” التي أصر على تعلمها من والده رحمه الله.

يضع عم فارس مكواته الحديدية على النار داخل المحل، وبابتسامة تحمل الكثير من الذكريات يقول لنا: “أنا كنت غاوي مكواة الرجل من والدي كنت دائماً ما أجلس إلى جواره وهو يعمل ولذلك لم أفلح في المدارس”.

يرفع الرجل الستيني المكواة الحديدية الثقيلة من على النار وهو يتابع: “والدي كان يرفض تعلمي لمهنة مكوجي الرجل، لأنها مهنة شقاء وتعب ودائماً ما طالبني بأن أكمل تعليمي أو أن أعمل مهنة أخرى تكون أقل تعباً، لكني أصريت على أن أكون مكوجي رجل”.

ينظر عم فارس إلينا بنظرة طفل وجد لعبته المفضلة، وهو يختبر حرارة المكواة الحديدية قبل أن يضع قدمه عليها فوق القطعة التي يقوم بكيها ويضيف، “أسعد لحظات سعادتي وأنا أعمل بمكواة الرجل فأقوم بتسخين المكواة على نار وابور الجاز حسب الحجم والوزن قبل أن ترفع ويتم مسحها جيداً بقطعة قماش ثم يبدأ الكي”، موضحاً، “أهمية أن يضع المكوجي قدمه على المكواة في أثناء الكي لمزيد من الثقل والضغط على قطعه القماش لاسيما مع إنحناء المكوجي في أثناء الحركة بكل جسمه على ذراع المكواة”.

يندمج الرجل الستيني في كي القطعة التي تضغط قدمه عليها تحت المكواة ويكمل، “أدخلت مكواة البخار مع مكواة الرجل لكي نساير التطور ولكن مكواة الرجل هي أساس هذا المحل والذي عمره أكثر من 100 عام ومعروف بأنه محل مكوجي بلدي”.

وعن فرق الأسعار بين مكواة البخار ومكواة الرجل يؤكد عم فارس، أن “الأسعار واحدة فليس هناك أي اختلاف في سعر كي قطع الملابس سواء بمكواة الرجل أو مكواة البخار، لكن الفرق بيكون في مكان المحل وليس نوع المكواة”.

يربت عم فارس على كتف ابنه ويقول: “ابني غاوي المكواة مثلي، قلت له ابعد عنها وشوف لك مهنة أخرى لكنه أصر عليها، هو لم يتعلم شغل مكواة الرجل يعمل فقط بمكواة البخار هو يتمنى تعلمها لكني أشفق عليه من تعبها وشقائها”.

وعن حلمه، يتحدث الرجل الستيني بعد أن يفرغ ما في فمه من ماء على القطعة التي يقوم بكيها ويضغط بقدمه على المكواة، “بحلم ربنا يسترها معي ومع أولادي ويكملها بالستر كما بدأها بالستر”.

شاركها.