المدير السلبي : فنون “الإدارة” في قتل “الإرادة”

الأمر يبدأ هكذا: يقبل صاحب العزيمة القوية، بكل جوارحه على إنجاز عمل ما، ملقيا قاموس المستحيل وراء ظهره، مؤمنا بقدراته، ومتكئا على إرادة الإنسان التي ينبغي أن تكون أقوى من كل المحبطات، لا سيما المتعلقة بصعوبة العمل نفسه.
غير أن هذا الإنسان نفسه، سرعان ما يجد نفسه، فريسة للإخفاق، ليس لفشله في إنجاز المهمة، ولكن لأن ثمة أناسا آخرين وقفوا حجر عثرة في طريق إرادته، وفي مقدمة هؤلاء، يأتي بعض المديرين، الذين يعكسون فشل قراراتهم على المنشأة كلها، وهم الأخطر من دون شك.
العشريني محمد، نمط من أصحاب الإرادة هؤلاء، ففي كل صباح يستيقظ بنشاط وحيوية ذاهباً إلى عمله، تحدوه العزيمة بإنجاز كبير، غير أنه سرعان ما يتبدل مزاجه وتتبدد عزيمته، وما يلبث أن ينتظر بفارغ الصبر انتهاء ساعات الدوام والرحيل بعيدا عن كل تلك الأجواء.
ويقول محمد “بمجرد دخولي المكتب، والاجتماع بالمدير، الذي يضفي طاقة سلبية كبيرة على الموظفين، نظراً لنكده المستمر، وشخصنته لسائر الأمور التي تحدث في العمل، وظنه أنها موجهة فقط لإيذائه والنيل منه، تستحوذ علي وعلى زملائي الرغبة بترك العمل والعودة إلى المنزل”.
ويضيف أن هذا الأمر يسبب له قلقا كبيرا؛ لأن عمله يحتل جزءا كبيرا من حياته، ويقضي فيه وقتا أطول مما يقضيه في منزله، ومن ثم فإن مزاجه يتأثر كثيراً طوال اليوم، ويرافقه الإحباط إلى المنزل.
ومحمد واحد من كثيرين يعانون من مواصفات المدير السلبي والمزاجي، وغير العادل، والعصبي الذي يؤثر على العمل وإنتاجيته بطريقة أو بأخرى.
وحول ذلك، يؤكد اختصاصي علم الاجتماع د.حسين الخزاعي، أن أهم نجاح للمؤسسة يتمثل بتوفير المدير الإداري الناجح والمتعاون، والذي ينتهج الإدارة القيمية، من خلال تمتعه بالأخلاق الإنسانية في التعامل مع الهيكل التنظيمي في الإدارة كاملاً، وذلك هو معيار النجاح، وليس المعيار هو ما يتوفر في المؤسسات من أدوات وتقنيات.
ويضيف أن من واجب المدير أن يهيئ أجواء الرضا الوظيفي داخل المؤسسة، ويحفز العاملين على الإبداع والنجاح والتعلق في العمل، أما عكس ذلك فيؤدي إلى سيادة أجواء مشحونة بالتوتر والقلق وعدم الإنجاز.
كما يشير الخزاعي إلى أن المدير الذي لا يتبع فن الإدارة الديمقراطية القيمية، هو في العادة يكون غير كفؤ، وغير مؤهل لهذا الموقع، لكنه حصل عليه عن طريق الواسطة والمحسوبية، أي ” هبوط بالبراشوت”، لافتا إلى أنه يلجأ إلى تعويض النقص، عن طريق اتباع الأساليب الإدارية المنفردة داخل المؤسسة، ويتسلح بالقضايا الهامشية، مبتعدا عن القضايا المركزية، كالرضا الوظيفي في العمل.
الخزاعي يؤكد، أيضا، أنه لا يوجد قانون أو تشريع إداري سيئ، لكن في المقابل يوجد مدير سيئ يطبق هذه القوانين بطريقة سيئة، فالإدارة القيمية تأخذ بعين الاعتبار رضا العاملين، من خلال العدالة والمساواة وعدم التمييز بين العاملين.
ويضيف يواجه الموظف نمطا من هؤلاء المديرين السلبيين، فيفضل اتباع الأسلوب الرسمي معهم، والتركيز على العمل، وعدم الالتفات إلى مزاجية هؤلاء المديرين وتقلباتهم.
أما العشرينية ريم، وهي إحدى الموظفات اللواتي يعانين كذلك من المدير السلبي، فتتذكر كيف أنها كانت عند دخولها أجواء العمل، متحمسة كثيرا، ولا تعتقد أن الحال ستكون كما هي عليه الآن، مبينة أنها صدمت بـ”مدير لا يملك أي نوع من المهنية أو العدل”، فعلى الرغم من كل العمل الذي تقوم به، غير أنها ترى كل التقدير يذهب إلى زميلة أخرى لها.
وتضيف أن هذا الأمر ولد لديها لامبالاة بالعمل، وتعقب ” بعد أن كان حلمي هو تحقيق شيء في هذا العمل، أصبح اهتمامي مجرد قضاء ساعات حتى انتهاء وقت الدوام والذهاب إلى المنزل”.
اختصاصي الطب النفسي د.عماد الزغول، يرى أن هذا النوع من المديرين يخلق عند الموظفين نوعا من عدم الأمان، كونهم لا يستطيعون التنبؤ بسلوكه، مبينا أن هذا الأمر من شأنه أن يولد لديهم عدم الثقة مع المدير، الأمر الذي ينعكس على العلاقة المهنية بينهم، وعلى المؤسسة على نحو عام، إضافة إلى أنه يقتل روح المبادرة والإبداع عند الموظف.
الأربعينية ريما ترى أنه، وبحكم منصبها كمديرة، وخبرتها، تجد أن أفضل حل هو التعامل بجدية مطلقة مع الموظفين، وعدم فسح المجال لهم بتجاوز الحدود على الإطلاق.
وتشرح وجهة نظرها بالقول ” بعد خبرة طويلة، فضلت الحل القائم على عدم التعاطي مع الموظفين، مطلقا، لأن المزاح معهم مرة واحدة يجعلهم غير قادرين على الفصل يبين وقت العمل ووقت المزاح”.
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي حسام عايش أن المدير والقائد في مكان العمل هو أحد محركات العمل، والإدارة هي التي تطبع العمل في مواصفاتها، وبالتالي يجب أن يكون المدير “ضابط إيقاع رئيسيا لقيادة موظفيه نحو تقديم أفضل العروض والإنجازات”.
وتتفاوت طباع المديرين، ومن ثم يتأثر العمل بهذه الطباع، فقد يكون هناك المدير المتوتر، أو المتسلط، أو العاطفي، فتنعكس هذه الصفات على أجواء العمل، وتخلق أجواء من الاضطراب، وأحيانا الفوضى والشللية والمحسوبية، خصوصا إذا كان الأمر ينبع من الشخصنة في تقييم الأمور.
ويضيف عايش أنه “آن الأوان لتدريب المديرين على كيفية إقامة علاقات أفضل مع موظفيهم، والسيطرة على عواطفهم، بحيث يكون المدير قائدا في مركزه، وملهما، وأن يتحمل المسؤولية للخروج من الإدارة التقليدية إلى إدارة تعتمد على علمية وثقة في إدارة الأعمال”.
ولأن التواصل بين المدير والموظف من الأمور المهمة جدا لإنجاح العمل، ترى خبيرة مهارات الاتصال زين غنما، أن المدير والموظف “يجب أن يفهما طبيعة الاتصال بين بعضهما، كون المدير مطلوبا منه إصدار التعليمات الواضحة، والصبر والرعاية والتواصل المريح”.
كما ينبغي على الموظف أن يعرف كيف يتواصل مع المدير، ومدى الحدود المتاح التعامل فيها، وطبيعة القضايا التي يطرحها أمام المدير، وأن لا يزيد من شكواه، ويعرف حدوده في التواصل، وأن يكون هناك احترام متبادل بين الطرفين.
مواصفات المدير السلبي
لا يسعى إلا لخدمة ذاته عن طريق المناورة، ويصم أذنيه عن سماع أي رأي، بدل خدمة مجتمعه، غير عادل، يعتقد أنه ولد ليكون مديرا، همه الأساسي تحسين أوضاعه، يعزو الفضل لنفسه بأعمال لم يقم بها، يظن أن الموظفين لا يحبون أعمالهم، ويعمل كل ما في وسعه لتجنب المسؤولية والارتباط بالالتزامات، يقضي معظم وقته في لوم الموظفين، يمتنع عن اقتراح أي وسيلة لتفعيل العمل، الإدارة في نظره تعقب الرؤية، حيث يحجب نفسه عن الموظفين ويكون من الصعب اللقاء به، يتنصل من المسؤولية ويبحث دائما عن كبش فداء، إدارته قائمة على الخوف، وعلى ردود الفعل، نادرا ما يكون مبادرا بفعل معين، يحترف المناورات، فيتفنن بخلق التكتلات والشلل، وإدارته عنوانها الرفض، والتعايش، حيث يتعامل مع كل المتغيرات وبكل الظروف، في سبيل خدمة نفسه على حساب الآخرين.

زر الذهاب إلى الأعلى