“الشدة”.. لعبة على كيفك ولكن هناك حد !

لا ينقطع محمد عن لعبة الورق (الشدة) طوال الليل بشكل يومي فيبدأ السهرة مع أصدقائه منذ العاشرة مساءا ولا ينهيها إلى قبيل صلاة الفجر. ينام ساعتين ويذهب إلى عمله مثل “السكارى” ولا يعمل بقدر ما يتثاءب.
ولا يقتصر تأثير لعب (الشدة) طوال الليل على عمل محمد فقط بل امتد لاندلاع مشادات ومشاجرات كلامية لا تخلوا من الألفاظ البذيئة بينه وبين أصدقائه خلال فترة اللعب ما أدى لخلق حالة من البغضاء والشحناء بينهم.

حال محمد وأصدقائه يتكرر في بلادنا عند الكثير من الشباب خاصة أولائك المتعطلين عن العمل إما بسبب الانقسام السياسي أو بسبب قلة فرص العمل.

دوام الشدة
ويقول الطالب ماهر شرف الدين (23 عاما):”أقضي أكثر من 7 ساعات يوميا في لعب الورق مع أصدقائي على سطح منزلي ولا تسبب لنا اللعبة أي مشادات بيننا فنحن نحب بعضنا ولا نسمح لأنفسنا بالسب أو الشتم”.

ويضيف ماهر لـ”فلسطين الآن”:”بصراحة قضاء كل هذا الوقت في اللعب أثر على علاقتي مع زوجتي فأنا أعود من عملي أتناول طعام الغداء وأنام قليلا ثم أبد باللعب مع الأصداء ولا أرى زوجتي إلا في وقت متأخر من الليل وأكون حينها مرهقا ولا أستطيع الحديث معها ولكن هذا لا يهم … النسوان بتراضيهم بكلمتين”.

ولكن هاتين الكلمتين لا يمكن أن ترضي بهم مجتمعا بأكمله فالشاب خليل عبد الرحمن (27 عاما) منذ أن بدأ في لعب الورق قبل عام خفف زياراته وعلاقته الاجتماعية إلى أدنى مستوى لها فلم يعد يزور بيت والديه إلا مرة في الشهر، أما أقاربه فلا يراهم إلا في الأعياد ولا يشاركهم في أي من مناسباتهم فــ”الشدة” بالنسبة له أولى من كل شيء.

لا صلاة ولا عبادة
سامر إسماعيل (22 عاما) لا يختلف عن سابقيه إلا في أن مصيبته أعظم فإدمانه على لعبة الورق جعله يضيع صلاته وعبادته.

ويقول لـ”فلسطين الآن:”كنت عندما ألعب الورق أنسى الدنيا بما فيه وأركز جل اهتمامي بهذه اللعبة فهي تجذبني بشكل غريب ومثلا عندما يؤذن العصر أظل أؤجل الصلاة حتى يدخل وقت المغرب وهكذا بقية الصلوات ولكن الله من علي وتركت هذه اللعبة منذ وقت طويل وعندما ألعبها لا يزيد وقت اللعب عن ساعة واحدة”.

موقف الشرع
الدكتور زياد مقداد أستاذ الشريعة في الجامعة الإسلامية في غزة علق على هذه الحالات من الناحية الشرعية وقال:”اللعب إجمالا في نظر الإسلام من الأمور المباحة وذلك إذا لم يتعلق به ارتكاب محرم أو تجاوز حد أو تضيع فريضة فهو نوع من أنواع الترفيه عن النفس الذي لا بد منه ولكن اللعب إذا اقترن به نوع من أنواع المقامرة فإنه ينقلب في هذه الحالة إلى محرم مع أن أصله مباح”.

ويضيف د. مقداد في حديثه لـ”فلسطين الآن”: “هناك ألعاب ورد فيها نص شرعي بالتحريم فهي محرمة لذاتها حتى ولو لم تقترن بالمقامرة لأنها قد تفضي لمفسدة وذلك كلعبة النرد (طاولة الزهر)”.

“أما بالنسبة للعبة الورق (الشدة) فإن قسناها على النرد تكون محرمة وإن قسناها على أن فيها تمرين عقلي كالشطرنج فإنها تكون مباحة ولكن على كل الأحوال سواء قسناها على هذا أو ذالك فأقول إن لعب الورق أو الشدة إذا جلس اللاعبون ساعات طويلة يلعبونها -وهذا هو الواقع- حتى ولو لم يكن ذلك مقترنا بالقمار فإنه يكون من قبيل تضيع الوقت الذي نحن منهيون عنه لأن الوقت هو الحياة وبالتالي يصبح اللعب حراما”.

ومضى يقول:”تزداد حرمة اللعب بالورق إذا ما ترتب على هذا اللعب تضيع للحقوق أو تضيع للحرمات أو للصلوات أو قطع لزيارة الأرحام أو تضيع للواجبات إذا كان الإنسان مسئول في بيته وأهله”.

“كثير من اللذين يلعبون الورق يقضون الليل بطوله فبالتالي لا يستطيعون الذهاب إلى أعمالهم في الصباح الباكر وإن ذهبوا لا يقومون بها بالشكل المطلوب وفي ذلك مخالفة للشرع لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)”.

ويوضح د.مقداد: “قضاء وقت طويل في لعبة الورق له انعكاسات على الفرد والمجتمع ولكن اللعب لمدة ربع ساعة مثلا أو نحو ذلك من الوقت دون أن يترتب عليه أي مفسدة ربما يكون ذلك معفوا عنه فهناك اختلاف بين العلماء في ذلك وفي اختلاف العلماء سعة”.

زر الذهاب إلى الأعلى