لا تحكم على الأشياء من الظاهر ، و لا تتعجل في إصدار الاحكام على الناس من أول وهلة ، و حاول ان تلتمس للناس المعاذير ، فأنت لا تعلم حالة من يتكلم معك و ان كان يبتسم لك و يهش في وجهك ، فالقلوب لا يعلم ما بها الا خالقها جل في علاه .

و اليوم لدينا قصة نتعلم منها هذا الدرس هو ألا تحكم على أحد من أول موقف  ، و تأنى قبل تصنيف الناس هذا مغرور أو هذا متكبر أو هذا مهمل ، و اسمع عذره فلعل له عذراً قوياً دفعه الى فعل ما تكره

قصة للعبرة
قصة للعبرة

قصة و عبرة .. نحن الأطباء نتألم و لا نتكلم

حدث ان وقع حادث ، و قد أصيب في هذا الحادث صبي في الثالثة عشرة من عمره ، و تم نقله من فوره الى المستشفى ، و كان معه أبوه و بعض من أفراد عائلته .

و بعد وصول الولد الى المستشفى ، و اجراء الفحوصات عليه ، أكد الأطباء أنه بحاجة ماسة الى جراحة عاجلة لا يمكن أن تنتظر ، و إلا حدثت مضاعفات للولد قد تؤدي الى وفاته .

لكن المشكلة أن الطبيب الجراح في هذه المستشفي لم يكن موجوداً ، حيث لم يحضر في هذا اليوم الى عمله ، فتم استدعاؤه على عجل ، و حدث ان جاء و حضر الطبيب بعد فترة من الوقت ليست بالطويلة ، لكن الأب لقلقه الشديد على ابنه مرت عليه هذه المده و كأنها ساعات طوال .

فلما رأى الأب الطبيب لم يتمالك نفسه و صاح به : ما الذي أخرك أيها الطبيب ؟ هل هذه مواعيد و هل هذه عنايتكم بأرواح الناس ؟

فابتسم الطبيب ابتسامة هادئة و قال للأب : لا تقلق ان شاء الله كل شئ سيكون على ما يرام فلا داعي لكل هذا القلق .

هنا استشاط الأب غضباً و قال للطبيب : ما كل هذا البرود الذي تحدثني به ، لا تقلق لا تقلق كل شئ سيكون على ما يرام ، ما هذا ؟ هل لو كان هذا الولد ولدك و هو من أسيب في الحادث و يحتاج الى جراحة عاجلة ، هل كنت ستقول لا تقلق ، و تتعامل معي بهذا البرود و اللامبالاة ، أنتم بالفعل يا معشر الأطباء لا تهتمون بمشاعر الناس ، وأصبح كل مريض عندكم ما هو الا حالة لا تهتمون به و بلا بنفسية أهله .

و كان الطبيب يستمع الى الأب في ثورة غضبه ، و هو هادئ النفس ، و لم يقاطع الأب أو يحاول أن يوقفه خلال اندفاعه في الكلام , و غضبه في الحديث .

و بعد أن انتهى الوالد من كلامه و لومه للطبيب تركه الطبيب ، و دخل الى غرفة العمليات ليقوم بواجبه تجاه ابن ذلك الرجل .

و بقي الطبيب داخل غرفة العمليات لأكثر من ساعتين ، فقد كانت العملية صعبة و كانت حياة الابن في خطر بالفعل ، و كان الأب في الخارج ينتظر على أحر من الجمر ، و لا يستطيع الجلوس ، بل يقطع طرقات المستشفى ذهاباً و أياباً طوال مدة العملية ، و التي استمرت أكثر من ساعتين .

بعد الساعتين فتح باب غرفة العمليات ، فأسرع الأب الى الباب المفتوح ، و رأى أبنه و هو خارج على السرير الطبي الى غرفته في العناية المركزة .

قصة للعبرة .
قصة للعبرة .

و انتظر الأب أن يأتي الطبيب اليه و يشرح له الحالة و ما يجب ان يفعله و ما ينصحه به في حالة ابنه ، لكن هذا لم يحدث ، بل انتظر الأب خارج غرفة العمليات ، ثم رأي الطبيب يخرج مسرعاً من الغرفة ، يريد الخروج من المستشفى ، فناداه الأب و استوقفه و سأله عن حالة ابنه ، فأوضح له الطبيب ان العملية نجحت و الحمد لله ، و لا داعي للقلق ، و عليه ان يلتزم ببعض النصائح و التوجيهات في التعامل مع ابنه حتى يعود الى حالته الطبيعية و يخرج من فترة النقاهة ، و عندما أراد الأب ان يستوضح من الطبيب عن هذه الارشادات قال له الطبيب ان الممرضة سوف تقوم بتوضيح كل شئ لك ، ثم انصرف مسرعاً دون حتى ان يسمع جواباً أو رداً من الأب.

فعاد الأب الى الممرضة و قال لها : هذا الطبيب المغرور ؟ من يظن نفسه ؟ انه حتى لم يكلمني او يحدثني كما يفعل باقي الأطباء مع مرضاهم ، و تركني لك ترشديني الى طريقة التعامل مع ابني المريض . هب أني أردت ان أسأل سؤالاً طبياً لا تعرفينه ماذا أنت فاعله ؟ كيف يذهب هذا الطبيب بهذه الطريقة و بهذه السرعة دون مراعاة لظروف مرضاه و حالتهم ؟

فأجابته الممرضة : أرجو منك يا سيدي ان تعذره ، فهو اليوم ما كان له ان يأتي بسبب ظروف خاصة به .

فقال الأب : انه طبيب ، و يجب عليه الحضور في أي وقت تطلبه المستشفى فيه ، هذا عمله و هذا و اجبه .

فقالت الممرضة : نعم صحيح ، لكن اليوم هو ظرف طارئ جداً ، فقد أسيب ابنه في حادث و هو بالمناسبة في نفس سن ابنك ، و قد توفاه الله في هذا الحادث ، و كان الطبيب مشغولاص به ، لكن المستشفى حين طلبته و شرحت له أنه لا يوجد غيره ، و أن العمليه الجراحية لابنك عاجلة و لا يمكن تأجيلها ، تحامل على نفسه و ترك ابنه المتوفى قبل ان يدفنه ، و جاء مسرعاً ، و عمل العملية الجراحية لابنك ، ثم أسرع بالأنصراف ، ليستطيع تجهيز ابنه و دفنه .

هنا شعر الأب بالندم الشديد ، و أحس أنه قد تسرع في حكمه على هذا الطبيب الإنسان , الذي ترك ابنه الميت ، و تحامل على نفسه و كتم حزنه في قلبه و جاء ليقوم بالعملية الجراحية لابنه ، و ندم الأب كثيراً على الكلام الشديد الذي أسمعه للطبيب ، و سوء ظنه به ، و التسرع في الحكم على الناس من أول وهلة ، دون معرفة أعذارهم أو حالتهم .

فلا تتسرع في الحكم على الناس ، فهناك قلوب تتألم و لا تتكلم ، فلا تتكلم قبل أن تتعلم .

قصة للعبرة نحن الاطباء نتألم و لا نتكلم
قصة للعبرة نحن الاطباء نتألم و لا نتكلم

شاركها.