حدثنا النبي الكريم صلّى الله عليهِ وسلّم عن الحياة الدنيا “The Worldly Life” في العديد من الأحاديث الشريفة، وأنها الإختبار الأكبر والأهم الذي يحدد مصير الفرد في الآخرة، فمن كان يلهث وراء ملذات الدنيا منكباً على وجهه يُلقى في جهنم وبئس المصير، ومن زهد في ملذاتها ولم يلقي لها بالاً ابتغاء مرضاة الله ولم تعدل الدنيا عنده جناح بعوضة نال وفاز بالآخرة وجنات عدن، وهناك إشارة واضحة لقدر الدنيا في الإسلام مذكورة في 8 أحاديث للرسول عن الدنيا وفي العديد من الآيات القرآنية، نتناولها معاً في السطور التالية.

أحاديث النبي عن الدنيا
أحاديث النبي عن الدنيا

8 أحاديث الرسول عن الدنيا

وهذه الأحاديث هي ما يؤكد حقيقة الدنيا في الإسلام:

  1. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كانت الدنيا همَّه فرَّق اللهُ عليه أمرَه، وجعل فقرَه بين عينيْه، ولم يأتهِ من الدنيا إلا ما كُتب له، ومن كانتِ الآخرةُ نيتَهُ جمع اللهُ له أمرَه، وجعل غناه في قلبِه، وأتته الدنيا وهي راغمةٌ، ومن كانت الدنيا همَّه جعل اللهُ فقرَه بين عينيه، وفرَّق عليه شملَه، ولم يأتِه من الدنيا إلا ما قُدِّر له.” رواه زيد ابن ثابت
  2. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ جَعَلَ الهُمومَ هَمَّا واحِدًا، هَمَّ المَعادِ، كَفَاهُ اللهُ سائِرَ هُمومِه، و مَن تَشَعَّبَتْ به الهُمومُ من أحوالِ الدنيا لَمْ يُبالِ اللهُ في أيِّ أوْدِيَتِها هَلَكَ” رواه عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر ومحمد بن المنكدر
  3. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”مَن كانتْ نيتُه طلبَ الآخِرَةِ ؛ جعل الله غِناه في قلبِه، وجَمَع له شملَه، وأتَتْه الدنيا وهي راغِمةٌ، ومَنْ كانت نيتُه طَلَبَ الدنيا؛ جعل اللهُ الفقرَ بين عينيه، وشَتَّتَ عليه أمرَه، ولا يأتِيه مِنها إلا ما كُتِبَ له.” رواه أنس ابن مالك.
  4. “كانَ حُذَيْفَةُ، بالمَدَايِنِ، فَاسْتَسْقَى، فأتَاهُ دِهْقَانٌ بمَاءٍ في إنَاءٍ مِن فِضَّةٍ، فَرَمَاهُ به وقالَ: إنِّي لَمْ أرْمِهِ إلَّا أنِّي نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ، قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الذَّهَبُ والفِضَّةُ، والحَرِيرُ والدِّيبَاجُ، هي لهمْ في الدُّنْيَا، ولَكُمْ في الآخِرَةِ.” رواه حذيفة بن اليمام
  5. “مَن أحَبَّ دنياه أضَرَّ بآخِرَتِه ومَن أحَبَّ آخِرتَه أضَرَّ بدنياه فآثِروا ما يَبْقى على ما يَفْنى.” رواه أبو موسى الأشعري.
  6. “ما الدُّنيا في الآخرةِ إلَّا كما يضَعُ أحدُكم أُصبُعَه السَّبَّابةَ في اليَمِّ فلْينظُرْ بمَ يرجِعُ ؟” رواه لمستورد أخا بني فهر.
  7. ” لو كانتِ الدُّنيا تعدلُ عندَ اللَّهِ جناحَ بعوضةٍ ما سقى كافرًا منها شربةَ ماءٍ.” رواه سهل بن سعد الساعدي.
  8. قال النبي صلى الله عليه وسلم “ازهدْ في الدنيا يحبُّكَ اللهُ، وازهدْ فيما في أيدي الناسِ يحبُّكَ الناسُ” رواه سهل بن سعد الساعدي.
الدنيا
الدنيا

حقيقة الحياة الدنيا في القرآن الكريم

  • كما أن الدنيا هي دار الابتلاء، فهي مكان اختبار الله تعالى لعباده، فهي تغري المرء بالكثير من الخيارات التي تبعده عن الخير في الآخرة، دون أن تُظهر ما ينتج عنها من مصائب.
  • الدنيا لا تصفوا لأحد، فأحوالها متقلبة، فهي كالغيث الذي يحبه الناس لما يُنبته في الأرض، فسرعان ما يتزايد نمو الزرع حتى يصفر ويذبل مع مرور الوقت، فقال تعالى: “وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)” سورة الكهف
  • وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى حقيقة الدنيا وحال أهلها فقال تعالى في كتابه العزيز “اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)” سورة الحديد
  • فالدنيا هي فتنة للناس، ولهو يلهي الفرد عن العمل للآخرة، وتفاخر بالاختلافات بين الناس من النسب والشكل والمال والأولاد وغيرا مما هو زائل مع الوقت.
  • وقارن سبحانه وتعالى الدنيا بالآخرة، فقال سبحانه وتعالى: “زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)” سورة آل عمران.
أحاديث عن الدنيا
أحاديث عن الدنيا

الزهد في الدنيا

“حبُّ الدُّنيا رَأسُ كلِّ خطيئةٍ” رواه الحسن البصري، فتفتن الدنيا المغترين بيها ليقعوا في المعصية، فيخسروا دنياهم وآخرتهم، ولأن الآخرة هي الدار الدائمة ومرجع كل بني آدم، فيجب ألا يعلّق المؤمن قلبه بالدنيا إلا بما أمر الله، وأن يقاوم فتنتها وما نهى الله  عنه بالزهد فيها.

  • والمقصود بالزهد أن يصرف الإنسان قلبه عن الدنيا، وما بها من ملذات رغبة في الفوز بالآخرة وجنات النعيم، لأنه يعلم تمام العلم أن ملذات الدنيا مليئة بالآفات الخفية كالأمراض والابتلاءات والخسارة، على عكس الآخرة المُطهرة من هذه الآفات.
  • وليس الزهد هو تحريم ما حلل الله أو إضاعة المال، ولكن المقصود بالزهد هو الرضى بما قسم الله لك، وان تعبد الله وتثق في قدرته، في وقت الفرح والحزن، فإن أصل الزهد هو الرضى عن الله.
  • وطبقاً لهذا فإننا نجد أن للزهد ثلاثة أشكال، زهد الفرض وهو الزهد في كل ما حرم الله وهو واجب على كل مسلم، زهد الفضل فهو الزهد في ما أحل الله رغبة في الفوز بأفضل منها في الآخرة، وأخيراً زهد السلامة وهو البُعد عن كل مصادر الشبهات.
  • وفي بعض الأحيان نجد بعض الناس يمتنعون عن أخذ مال حلال أو تولي منصب هام يستطيع به أن ينصر الحق، وهذا ليس بالزهد المحمود، فتستطيع بهذا المال في أن تُعين الفقراء والمحتاجين، أو تعليم القرآن أو حل مشكلات الناس، وكذلك تستطيع بالمنصب اكتساب قوة تساعدك في تنفيذ العديد من الأعمال الصالحة التي يصعُب تنفيذها على الآخرين.

زهد النبي والصحابه في الدنيا

  • وخير مثال للزهد هو زهد النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا، ففي بعض الأوقات لا توقد في بيته نار لثلاث ليالي، وكان هو وأهل بيته يعيشون على التمر والماء، فقد قال عمر بن الخطاب أنه رأى رسول الله يتلوى من الجوع لا يجد من الدقل ما يملأ بطنه.
  • كما كان ينام صلى الله علي وسلم على فراش عليه أدماً وحشوه ليف، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في حديث صحيح “نام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على حَصِيرٍ فقام وقد أَثَّرَ في جَنْبِهِ فقُلْنا يا رسولَ اللهِ لو اتَّخَذْنا لك وِطَاءً فقال ما لِي وللدنيا ، ما أنا في الدنيا إلا كراكِبٍ استَظَلَّ تحتَ شجرةٍ ، ثم راح وتَرَكَها”.
  • وسار الصحابة الكرام على نهج النبي صلى الله عليه وسلم في الزهد، فكان زهدهم عن كل ما حرم الله ويحيل بينهم بين الجنة، كما كان لهم زهد اضطرارياً، فكانت الحياة صعبة في مواجهة أعداء الإسلام، فكانوا لا يجدون ما يقتاتون به.

شاركها.