الاسلام هو دين السعة و السعادة في الدنيا و الآخرة ، فلم يكن الإسلام في يوم من الأيام دين يدعو الى الحزن و الى الكآبة و التعاسة ، بل هو دين يدعو الى الفرح برحمة الله و فضله ، و استشعار المسلم لنعمة الاسلام عليه و كفى بها من نعمة كفيلة بادخال السرور و السعادة الى قلبه و روحه ، فكيف يحزن من كان الله ربه و محمد نبيه و الجنة موعده ان استقام على امر الله .

هل دعى الإسلام الى الحزن ؟

لم يأت الحزن في الاسلام سواء في القرآن اوالسنة إلا منهياً عنه ، و مرغباً في الابتعاد عن أسبابه ،يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله :
” منزلة الحزن ، ليست من المنازل المطلوبة ، ولا المأمور بنزولها ، وإن كان لا بد للسالك من نزولها ، ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهيا عنه ، أو منفيا :
فالمنهي عنه كقوله تعالى : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا ) [آل عمران: 139] ، وقوله : ( ولا تحزن عليهم ) [الحجر: 88] في غير موضع ، وقوله : ( لا تحزن إن الله معنا ) [التوبة: 40]
، والمنفي كقوله : ( فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) [البقرة: 38] .
وسر ذلك أن الحزن مُوَقِّفٌ غيرُ مُسَيِّرٍ [ أي : يوقف الإنسان عن العمل الصالح] ، ولا مصلحة فيه للقلب ، وأحب شيء إلى الشيطان أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره ، ويوقفه عن سلوكه ، قال الله تعالى : ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ) [المجادلة: 10] ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة أن يتناجى اثنان منهم دون الثالث ، لأن ذلك يحزنه .
فالحزن ليس بمطلوب ، ولا مقصود ، ولا فيه فائدة . وقد استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ) فهو قرين الهم ، والفرق بينهما أن المكروه الذي يرد على القلب ، إن كان لما يستقبل أورثه الهم ، وإن كان لما مضى أورثه الحزن ، وكلاهما مضعف للقلب عن السير ، مقتر للعزم .

الحزن في الاسلام .

أضرار الحزن

الحزن و التشاؤم و فقدان الأمل اذا حل في قلب المسلم ، أوقف سيره الى الله ، و أوهن عزيمته ، و أصابه بالاحباط و عدم الشعور بالجدوى من الحياة ، و هو الامر الذي يتحول مع مرور الوقت الى اكتئاب و ترك الحياة ، و هو ما يريده الشيطان ، ان يقطع طريقك الى الله و أن يقعدك عن الفضائل و الطاعات .

و نهى النبي صلى الله عليه و سلم ان يتناجى اثنان دون ثالث لان ذلك يحزنه ، فانظر الى هدي النبي صلى الله عليه و سلم في تجنب اسباب الحزن ، حتى لو كانت أسباباً ضعيفة .

النهي عن الحزن

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وأما الحزن فلم يأمر الله به ولا رسوله، بل قد نَهَى عنه في مواضع، وإن تعلق أمر الدين به، كقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [ آل عمران: 139].

وقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [النحل: 127]، وقوله تعالى: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، وذلك لأنه لا يجلب منفعة، ولا يدفع مضرة، ولا فائدة فيه، وما لا فائدة فيه لا يأمر الله به، نعم لا يأثم صاحبه إذا لم يقترن بحزنه محرم، كما يحزن على المصائب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا – وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ – أَوْ يَرْحَمُ.

ومنه قوله تعالى: ﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 84].

وقد يقترن بالحزن ما يثاب صاحبه عليه، ويُحمد عليه، ويكون محمودًا من تلك الجهة، لا من جهة الحزن، كالحزين على مصيبة في دينه، وعلى مصائب المسلمين عمومًا، فهذا يثاب على ما في قلبه من حب الخير، وبغض الشر وتوابع ذلك، ولكن الحزن على ذلك إذا أفضى إلى ترك مأمور من الصبر والجهاد، وجلب منفعة، ودفع مضرة منهي عنه

الحزن في الاسلام
الحزن في الاسلام

هل كل الحزن مذموم

الحزن نوعان

الحزن على الآخرة : و هو الحزن الممدوح ، و الذ جاء به كلام السلف عن حزنهم و كثرة بكائهم ، فوالله ما كانوا يحزنون الا على الآخرة و الخوف من الموت و ما بعده ، و هذا الحزن هو الذي ينجي صاحبه في الدنيا و الآخرة ،و من كلام الحسن البصري رحمه الله : ” إن المؤمن يصبح حزينا ويمسي حزينا ، ويكفيه ما يكفي العنيزة .

فعن ابن الأوزاعي قال : ” سئل أبي عن الخشوع ؟ فقال : الحزن .

وعن أبي سعيد البصري قال : المحزون خائف ، ومن خاف اتقى ، ومن اتقى حذر ، ومن حذر حاسب نفسه .

فهذا حزن السلف ، حزن و خوف من الآخرة ، و هذا الحزن لا يوقف مسلم عن طريقه ، و لا يقعده أو يصيبه باليأس ، بل يدفعه للعمل و الاجتهاد .

الحزن على الدنيا : و هو الحزن المنهي عنه في الدين ، و هو الذي جاء النهي عنه في الكتاب و السنة وأقوال السلف وقال إبراهيم بن أدهم :الحزن حزنان ، فحزن لك ، وحزن عليك :
فالحزن الذي هو لك : حزنك على الآخرة ، وخيرها .والحزن الذي هو عليك : حزنك على الدنيا وزينتها  .

فالحزن على فوات النصيب من الدنيا أو الحزن على مطلوب لم تحصله ، و الامتعاض و الضيق بسبب ذلك ، هو الحزن المذموم الذي لا خير فيه .

الحزن في الاسلام .
الحزن في الاسلام .

علاج الحزن في الإسلام

وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم من أصابه حزن إلى هذا الدعاء، فروى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا»، قَالَ: فقيل: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَتَعلمُهَا؟ قَالَ: «بَلْىَ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا» .

فهذا هو علاج الحزن الذي أرشدنا اليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ليتخلص المسلم من هموم الدنيا و انكادها و يفرح برحمة الله و طاعته .

شاركها.