الزواج واحد من أهم وأشهر أشكال النظم الاجتماعية في المجتمع، حيث تنقسم النظم الاجتماعية إلى نظم تلقائية ونظم متقنة، وينتمي الزواج إلى فرع النظم التلقائية، التي تحدث دون قصد من البشر، حيث تكون بمثابة استجابة تلقائية، أما النظم المتقنة فهي نظم تم وضعها بطريقة مقصودة وواعية، مثل نظام التعليم، التأمين، الادخار، المصارف وغيرها، وقد حظي الزواج على مر العصور بتقديس كبير جدا، لاسيما في مصر الفرعونية، حيث كانت تعتبر المرأة شريكة الرجل الوحيدة في دنياه ودينه، وكان العقد الذي بينهم هو عقد مقدس وأبدي، وهذه المكانة التي حظيت بها المرأة في مصر القديمة كونها مساوية ومكملة للرجل، مختلفة تماما عن مكانة المرأة في عصور أخرى وثقافات مختلفة، فمثلا في أثينا القديمة عند المجتمع اليوناني نجد أنهم كانوا يعتبرون المرأة قاصرة من الناحية القانونية مدى الحياة، وهذا يعكس تقديس المصريين القدماء للمرأة ومكانتها المهمة بجانب الرجل .

أغرب عادات كان يقوم بها المصريون القدماء عند الزواج

  • الزواج في سن صغير جدا

من أغرب عادات المصريين القدماء في الزواج هو سماح القانون بالزواج في سن مبكر للغاية مقارنة بسن الزواج اليوم، حيث كان الرجل يتزوج وهو في سن الخامسة عشر من العمر، والفتاة في سن الثانية عشر من العمر، وكانت هناك حالات قليلة جدا يتم فيها الزواج والفتى في العشرين من عمره والفتاة في الرابعة عشر من عمرها، حيث كانت هذه الحالات نادرة وغير مألوفة .

وعلى عكس الاعتقاد الشائع والمألوف من أن المصريين القدماء كانوا يزوجون الأخوة، هذا غير صحيح ولم يحدث إلا في حالات نادرة جدا بين بعض الملوك والآلهة، حيث كان هذا استثناء خاص لهم، والدليل على ذلك أن الملك قمبيز سأل القضاة الملكيين ما إذا كان الزواج من الأخت في القانون مقبول أم لا، وقد أجابوه بالنفي، وإذا بحثنا في كتب التاريخ والدلائل الموثوقة لن نجد حالة زواج واحدة بين الأخوة تمت بين عامة الشعب، ولعل السبب في هذا الاعتقاد أن الزوج كان يلقب بـ sn التي تعني أخ، لكن هذا اللقب كان يدل على ولايته وسيادته وحقوقه على المرأة مثل أخوها لكن لا يعني أنه كان أخوها بالفعل، كما كان يطلق على المرأة st بمعنى سيدة أو snt بمعنى أخت، وهذا يعني أنها كانت في منزلة أخته من حيث الحب والرعاية ولا يعني أنها كانت أخته بالفعل .

  • تعدد الزوجات عند المصريين القدماء كان مقبول

قد تبدو هذه معلومة غريبة عن الفراعنة، لكن الزواج بأكثر من امرأة كان أمر جائز ومقبول في مصر القديمة، إلا أن هذا لم يكن منتشرا بصورة كبيرة، وأيضا كان لا يتم بين طبقة الملوك والأثرياء، وهذه العادة المفاجئة عند المصريين القدماء تذكرنا بتعدد الزوجات في الدين الإسلامي، حيث يسمح الدين الإسلامي للرجل بالزواج من امرأة وحتى أربع نساء، شرط أن يقيم العدل بينهم .

لكن على الرغم من أن الملك كان من الممكن أن يتخذ العديد من الزوجات، إلا أنه كان لابد أن يختار واحدة منهن لكي تكون هي زوجته الملكية، والأخريات كان يطلق عليهن ” الزوجات الملكيات الثانويات “، لكن لا توجد أدلة كافية حول الكيفية التي كان يختار بها الملك زوجته الملكية من بين زوجاته جميعا، والسبب في اختيار زوجة ملكية هو أنها كانت تنقش مع الزوج على جدران المعابد، وكانت تقف بجواره لتأدية رسالته الملكية، كما كانت بمثابة مستشارته الخفية، ومن خلال العلامات والدلائل والألقاب التي وجدت في مصر القديمة كان يعتقد أن الزوجة الرئيسية يطلق عليها hmtnswwrt، بينما الزوجة الثانوية كانت تجمل لقب hmtnsw، لكن حملت الملكة أحمس نفرتاري كلا اللقبين، وبالتالي فإن wrt لا تعني رئيسة وإنما كانت مجرد إضافة للقب في عصر الدولة الفرعونية الحديثة .

ونجد مثلا الملك نفر ماعت حفيد الملك سنفرو أنه قام بالجمع بين زوجتين ” إينت ” زوجته الأساسية ” و ” نوت ” زوجته الثانوية “، وقد وصل عدد الجمع بين الزوجات لـ 6 زوجات في وقت واحد، لكن في العصر المتأخر تحديدا في الأسرتين 22 و 26 كان مسموح للمصري القديم بالتعدد لكنه لم يمارسه، كون الزواج على الزوجة تم اعتباره إضرار بالزوجة مثله مثل ضرر الطلاق وكان لابد حينها أن يعوض الرجل زوجته عن خسارتها الفادحة .

  • الزواج في مصر القديمة كان يتم بعقود مكتوبة

ربما تظن أن عقود الزواج أمر مستحدث في العصر الحديث لكي يضمن الزوجين – لاسيما المرأة – حقوقهم، لكن موضوع عقد الزواج قديم جدا منذ عصور قبل الميلاد، على الرغم من أن العقود لم تكون موجودة في العصور المبكرة في مصر القديمة، ولم تظهر إلا في العصور المتأخرة، حيث يرجع أول عقد زواج تم اكتشافه إلى 590 قبل الميلاد، وكان هذا العقد بمثابة ضمان لحقوق الزوجة على وجه الخصوص .

وكان ولي أمر العروس هو من يقوم بكتابة العقد بدلا منها، واستمر ذلك حتى القرن السابع قبل الميلاد، حيث سمح للمرأة بعد ذلك أن تكتب العقد بنفسها لاسيما المرأة التي سبق لها الزواج من قبل، وفي العقد كان الزوج يقسم بربه وفرعونه على تعهداته تجاه زوجته، كما كان العقد يذكر فيه قيمة المهر الذي كان يتكون من أوزان الفضة، مكاييل الغلال وغيرها، وفي عقود الزواج التي ظهرت في فترة متأخرة كان الزوج يتعهد فيه أن يقدم لزوجته الحنطة كل صباح مع مقدار من الزيت وأموال كراتب أساسي لها لكي تستخدمها في نفقاتها الشخصية، وراتب سنوي للاهتمام بزينتها .

  • قسم الزواج كان يكتب في العقد

العريس كان يردد قسم زواج معين وهذا القسم لا يتم الاكتفاء بقوله شفهيا، بل كان يكتب في عقد الزواج، فعندما عثر المصريون على وثيقة زواج فرعونية كان مكتوب فيها القسم التالي : ” لقد اقتضت مشيئة الإله أن يرتبط كلا منا بالآخر برباط مقدس وهو الزواج، ووفقا لتقاليد الرجل الحر والمرأة الفاضلة، فقد وافق كلا منا بكامل حريته وإرادته ورغبته بأن تأتي هذه المرأة إلى منزلي كامرأة حرة، وبالتالي يجب أن أقدرها كأنها قطعة مني، فلا أقلل من شأنها ولا أهملها أو أهجرها إلا إذا اضطررت لهذا بسبب شرعي يستحق، وإن حدث هذا وانفصلنا فيجب أن أقوم بإعطائها حقها الشرعي الذي أمرني به الإله ” .

كان الكاهن يقوم بسماع القسم ويتم كتابته في عقد الزواج، كما كان الزواج يتم في المعبد بحضور العريس ووالد العروس والشهود الذي كان عددهم يتراوح بين 3 إلى 16 شاهد، وقد تم السماح للمرأة فيما بعد بحضور عقد القران، وكان ذلك في القرن السابع قبل الميلاد .

  • كان يفضل أن تكون الزوجة من الأقارب أو المعارف

كان يفضل المصري القديم أن يختار زوجة من الأقارب أو المعارف، والهدف من هذا هو أن يكون أصلها مضمون، وأن يكون النسب سليم، وكان الحكيم بتاح حتب ينصح أن الزوجة يجب أن تكون من الأقارب أو المعارف، أو على الأقل معروفة بين أهل البلدة، أما في نصائح الحكيم عنخ شاشنقي لابنه فقد حذره من الوقوع في امرأة تكون سيئة الطباع، لأن هذه الصفات السيئة ستورث إلى الأبناء، وطلب من والد الفتيات أن يختاروا لبناتهن زوج عاقل وليس ثري .

وكان والد الفتاة يستقبل العريس في المنزل لكي يطلب منه يد ابنته، وعندما تتم الموافقة عليه يبدأ الأب في تجهيز ابنته وشراء احتياجات الزواج الخاصة بها، حيث كان الزواج في مصر القديمة مشاركة بين العريس والعروس، وكان خبر الزواج ما إن ينتشر حتى تبدأ العروس في تلقي الهدايا الجميلة من أقاربها وعائلتها ومعارفها، ولم تنظر مصر القديمة إلى موضوع الفوارق الطبقية بين الزوجين، ولكن كان الأهم في هذا الوقت هو الإمكانات المادية .

شاركها.